للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دُنْيَا تُغَالِطُنِي كَأَنِّ ... ي لَسْتُ أَعْرِفُ حَالَهَا

حَظَرَ الْمَلِيكُ حَرَامَهَا ... وَأَنَا احْتَمَيْتُ حَلَالَهَا

فَوَجَدْتُهَا مُحْتَاجَةً ... فَوَهَبْتُ لَذَّتَهَا لَهَا

وَقَدْ كَانَ الْحَلَّاجُ يَتَلَوَّنُ فِي مَلَابِسِهِ، فَتَارَةً يَلْبَسُ لِبَاسَ الصُّوفِيَّةِ، وَتَارَةً يَتَجَرَّدُ فِي مَلَابِسَ زَرِيَّةٍ، وَتَارَةً يَلْبَسُ لِبَاسَ الْأَجْنَادِ وَيُعَاشِرُ أَبْنَاءَ الدُّنْيَا، وَقَدْ رَآهُ بَعْضُهُمْ فِي ثِيَابٍ رَثٍّ وَبِيَدِهِ رِكْوَةٌ وَعُكَّازٌ وَهُوَ سَائِحٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا هَذِهِ الْحَالَةُ يَا حَلَّاجُ؟ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

لَئِنْ أَمْسَيْتُ فِي ثَوْبَيْ عَدِيمٍ ... لَقَدْ بَلِيَا عَلَى حُرٍّ كَرِيمِ

فَلَا يَغْرُرْكَ أَنْ أَبْصَرْتَ حَالًا ... مُغَيَّرَةً عَنِ الْحَالِ الْقَدِيمِ

فَلِي نَفْسٌ سَتَتْلَفُ أَوْ سَتَرْقَى ... لَعَمْرُكَ بِي إِلَى أَمْرٍ جَسِيمِ

وَمِنْ مُسْتَجَادِ كَلَامِهِ، وَقَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ أَنْ يُوصِيَهُ بِشَيْءٍ يَنْفَعُهُ: عَلَيْكَ بِنَفْسِكَ إِنْ لَمْ تَشْغَلْهَا بِالْحَقِّ شَغَلَتْكَ عَنِ الْحَقِّ. وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: عِظْنِي. فَقَالَ: كُنْ مَعَ الْحَقِّ بِحُكْمِ مَا أَوْجَبَ.

وَرَوَى الْخَطِيبُ بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: عِلْمُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ مَرْجِعُهُ إِلَى أَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: حُبُّ الْجَلِيلِ، وَبُغْضُ الْقَلِيلِ، وَاتِّبَاعُ التَّنْزِيلِ، وَخَوْفُ التَّحْوِيلِ. قُلْتُ: وَقَدْ أُصِيبَ الْحَلَّاجُ فِي الْمَقَامَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ فَلَمْ يَتَّبِعِ التَّنْزِيلَ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>