للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَعْرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ سَوَادٌ كَثِيرٌ، وَدُفِنَ فِي دَارِهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الرَّعَاعِ مِنْ عَوَامِّ الْحَنَابِلَةِ مَنَعُوا مِنْ دَفَنِهِ نَهَارًا وَنَسَبُوهُ إِلَى الرَّفْضِ، وَمِنَ الْجَهَلَةِ مَنْ رَمَاهُ بِالْإِلْحَادِ، وَحَاشَاهُ مِنْ هَذَا وَمِنْ ذَاكَ أَيْضًا. بَلْ كَانَ أَحَدَ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ فِي الْعِلْمِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَإِنَّمَا تَقَلَّدُوا ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ حَيْثُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِيهِ وَيَرْمِيهِ بِالْعَظَائِمِ وَيَرْمِيهِ بِالرَّفْضِ. وَلَمَّا تُوُفِّيَ اجْتَمَعَ النَّاسُ مِنْ سَائِرِ الْبَلَدِ وَصَلَّوْا عَلَيْهِ بِدَارِهِ وَدُفِنَ بِهَا، وَمَكَثَ النَّاسُ يَتَرَدَّدُونَ إِلَى قَبْرِهِ شُهُورًا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، رُحِمَهُ اللَّهُ.

قُلْتُ: وَقَدْ رَأَيْتُ لَهُ كِتَابًا جَمَعَ فِيهِ أَحَادِيثَ غَدِيرِ خُمٍّ فِي مُجَلَّدَيْنِ ضَخْمَيْنِ، وَكِتَابًا جَمَعَ فِيهِ طُرُقَ حَدِيثِ الطَّيْرِ، وَنُسِبَ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَقُولُ بِجَوَازِ مَسْحِ الْقَدَمَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْغَسْلَ، وَقَدِ اشْتُهِرَ عَنْهُ هَذَا، فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ ابْنَ جَرِيرٍ اثْنَانِ، أَحَدُهُمَا شِيعِيٌّ وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ ذَلِكَ، وَيُنَزِّهُونَ أَبَا جَعْفَرٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَالَّذِي عُوِّلَ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّهُ يُوجِبُ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ وَيُوجِبُ مَعَ الْغَسْلِ دَلْكَهُمَا، وَلَكِنَّهُ عَبَّرَ عَنِ الدَّلْكِ بِالْمَسْحِ فَلَمْ يَفْهَمْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مُرَادَهُ جَيِّدًا، فَنَقَلُوا عَنْهُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رَثَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ حَيْثُ يَقُولُ:

حَدَثٌ مُفْظِعٌ وَخَطْبٌ جَلِيلٌ ... دَقَّ عَنِ مِثْلِهِ اصْطِبَارُ الصَّبُورِ

قَامَ نَاعِي الْعُلُومِ أَجْمَعِ لَمَّا ... قَامَ نَاعِي مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرِ

فَهَوَتْ أَنْجُمٌ لَهَا زَاهِرَاتٌ ... مُؤْذِنَاتٌ رُسُومُهَا بِالدُّثُورِ

وَتَغَشَّى ضَيَاءَهَا النَّيِّرَ الْإِشْ ... رَاقِ ثَوْبُ الدُّجُنَّةِ الدَّيْجُورِ

<<  <  ج: ص:  >  >>