السَّلَفِ: قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَنَادَى رَبَّهُ مُنَادَاةً أَسَرَّهَا عَمَّنْ كَانَ حَاضِرًا عِنْدَهُ; مُخَافَتَةً فَقَالَ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ. فَقَالَ اللَّهُ: لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ. قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي أَيْ: ضَعُفَ وَخَارَ مِنَ الْكِبَرِ. وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا اسْتِعَارَةٌ مِنَ اشْتِعَالِ النَّارِ فِي الْحَطَبِ، أَيْ غَلَبَ عَلَى سَوَادِ الشَّعْرِ شَيْبُهُ، كَمَا قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي مَقْصُورَتِهِ:
إِمَّا تَرَى رَأْسِي حَاكَى لَوْنُهُ … طُرَّةَ صُبْحٍ تَحْتَ أَذْيَالِ الدُّجَى
وَاشْتَعَلَ الْمُبْيَضُّ فِي مُسْوَدِّهِ … مِثْلَ اشْتِعَالِ النَّارِ فِي جَزْلِ الْغَضَا
وَآضَ رَوْضُ اللَّهْوِ يَبْسًا ذَاوِيًا … مِنْ بَعْدِ مَا قَدْ كَانَ مَجَّاجَ الثَّرَى
يَذْكُرُ أَنَّ الضَّعْفَ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَهَكَذَا قَالَ زَكَرِيَّا ﵇: إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَقَوْلُهُ: وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا أَيْ: مَا عَوَّدْتَنِي فِيمَا أَسْأَلُكَ فِيهِ إِلَّا الْإِجَابَةَ. وَكَانَ الْبَاعِثُ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، أَنَّهُ لَمَّا كَفَلَ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ بْنِ مَاثَانَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute