وَكَتَبَ عَلَيْهِ: نَعَمْ هَذَا خَطِّي، وَهُوَ مِنْ أَخَصِّ أَصْحَابِي، فَلَا تَتْرُكْ شَيْئًا مِمَّا تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَّا وَصَلْتَهُ بِهِ. فَلَمَّا عَادَ الْكِتَابُ أَحْسَنَ نَائِبُ مِصْرَ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَوَصَلَهُ بِنَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ أَلْفِ دِينَارٍ.
وَاسْتَدْعَى ابْنُ الْفُرَاتِ يَوْمًا بِبَعْضِ الْكُتَّابِ، فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ! إِنَّ نِيَّتِي فِيكَ سَيِّئَةٌ، وَإِنِّي فِي كُلِّ وَقْتٍ أُرِيدُ أَنْ أَقْبِضَ عَلَيْكَ وَأُصَادِرَكَ مَالَكَ، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ مِنْ لَيَالٍ أَنِّي قَدْ أَمَرْتُ بِالْقَبْضِ عَلَيْكَ، فَجَعَلْتَ تَمْتَنِعُ مِنِّي، فَأَمَرْتُ جُنْدِي أَنْ تُقَاتِلَ، فَجَعَلُوا كُلَّمَا ضَرَبُوكَ بِشَيْءٍ مِنْ سِهَامٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ السِّلَاحِ تَتَّقِي الضَّرْبَ بِرَغِيفٍ فِي يَدِكَ، فَلَا يَصِلُ إِلَيْكَ بِسَبَبِهِ شَيْءٌ، فَأَعْلِمْنِي مَا قِصَّةُ هَذَا الرَّغِيفِ؟ فَقَالَ: أَيُّهَا الْوَزِيرُ، إِنَّ أُمِّي مُنْذُ كُنْتُ صَغِيرًا كَانَتْ تَضَعُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ تَحْتَ وِسَادَتِي رَغِيفًا، ثُمَّ تُصْبِحُ فَتَتَصَدَّقُ بِهِ عَنِّي، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهَا حَتَّى مَاتَتْ. فَفَعَلْتُهُ بَعْدَهَا، فَأَنَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ أُبَيِّتُ تَحْتَ وِسَادَتِي رَغِيفًا، ثُمَّ أُصْبِحُ فَأَتَصَدَّقُ بِهِ، فَعَجِبَ الْوَزِيرُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَنَالُكَ مِنِّي سُوءٌ أَبَدًا، وَلَقَدْ حَسُنَتْ نِيَّتِي فِيكَ وَأَحْبَبْتُكَ. وَقَدْ أَطَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ تَرْجَمَتَهُ وَذَكَرَ بَعْضَ مَا أَوْرَدْنَاهُ.
مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
أَبُو بَكْرٍ الْأَزْدِيُّ الْوَاسِطِيُّ، الْمَعْرُوفُ بَالْبَاغَنْدِيِّ، سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَابْنَ أَبِي شَيْبَةَ، وَشَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، وَعَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ، وَخَلْقًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ، وَرَحَلَ إِلَى الْأَمْصَارِ الْبَعِيدَةِ، وَعُنِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute