للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا تَجَهَّزَ مُؤْنِسٌ لِلْمَسِيرِ جَاءَهُ بَعْضُ الْخَدَمِ، فَأَعْلَمَهُ بِأَنَّ الْخَلِيفَةَ يُرِيدُ أَنْ يَقْبِضَ عَلَيْهِ إِذَا دَخَلَ لِوَدَاعِهِ، وَقَدْ حُفِرَتْ لَهُ زُبْيَةٌ فِي دَارِ الْخِلَافَةِ مُغَطَّاةٌ ; لِيَتَرَدَّى فِيهَا، فَأَحْجَمَ عَنِ الذَّهَابِ، وَجَاءَتِ الْأُمَرَاءُ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِيَكُونُوا مَعَهُ عَلَى الْخَلِيفَةِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْمُقْتَدِرُ رُقْعَةً بِخَطِّهِ يَحْلِفُ لَهُ فِيهَا أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي بَلَغَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَطَابَتْ نَفْسُهُ، وَرَكِبَ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ فِي غِلْمَانٍ قَلَائِلَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى الْخَلِيفَةِ خَاطَبَهُ مُخَاطَبَةً عَظِيمَةً، وَحَلَفَ لَهُ أَنَّهُ طَيِّبُ الْقَلْبِ عَلَيْهِ، وَلَهُ عِنْدَهُ الصَّفَاءُ الَّذِي يَعْرِفُهُ، وَخَرَجَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ مُعَظَّمًا مُكَرَّمًا، وَرَكِبَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْمُقْتَدِرِ، وَالْوَزِيرُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى وَنَصْرٌ الْحَاجِبُ فِي خِدْمَتِهِ لِتَوْدِيعِهِ، وَكِبَارُ الْأُمَرَاءِ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ الْحَجَبَةِ، وَكَانَ خُرُوجُهُ يَوْمًا مَشْهُودًا، قَاصِدًا بِلَادَ الثُّغُورِ لِقِتَالِ الرُّومِ.

وَفِي جُمَادَى الْأُولَى قُبِضَ عَلَى رَجُلٍ خَنَّاقٍ، قَدْ قَتَلَ خَلْقًا مِنَ النِّسَاءِ ; لِأَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ يَعْرِفُ الْعَطْفَ وَالتَّنْجِيمَ، فَقَصَدَهُ النِّسَاءُ لِذَلِكَ، فَإِذَا انْفَرَدَ بِالْمَرْأَةِ قَامَ إِلَيْهَا، فَخَنَقَهَا بِوَتَرٍ، وَأَعَانَتْهُ امْرَأَتُهُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ حَفَرَ لَهَا فِي دَارِهِ فَدَفَنَهَا، فَإِذَا امْتَلَأَتْ تِلْكَ الدَّارُ انْتَقَلَ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا. وَلَمَّا ظُهِرَ عَلَيْهِ وُجِدَ فِي دَارِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ امْرَأَةً قَدْ خَنَقَهُنَّ، ثُمَّ تُتُبِّعَتِ الدُّورُ الَّتِي سَكَنَهَا، فَوَجَدُوا شَيْئًا كَثِيرًا قَدْ قُتِلَ مِنَ النِّسَاءِ، فَضُرِبَ أَلْفَ سَوْطٍ، ثُمَّ صُلِبَ حَيًّا حَتَّى مَاتَ، قَبَّحَهُ اللَّهُ.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ ظُهُورُ الدَّيْلَمِ بِبِلَادِ الرَّيِّ فَكَانَ فِيهِمْ مَلِكٌ غَلَبَ عَلَى أَمْرِهِمْ، يُقَالُ لَهُ: مَرْدَاوِيجُ، يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ سَرِيرٌ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>