للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَوَاهِرِ بِمِصْرَ، فَاكْتَسَبَ بِسَبَبِ ذَلِكَ أَمْوَالًا جَزِيلَةً جِدًّا.

قَالَ ابْنُ الْجَصَّاصِ: كُنْتُ يَوْمًا بِبَابِ ابْنِ طُولُونَ إِذْ خَرَجَتِ الْقَهْرَمَانَةُ، وَبِيَدِهَا عِقْدٌ فِيهِ مِائَةُ حَبَّةٍ مِنَ الْجَوْهَرِ، تُسَاوِي كُلُّ وَاحِدَةٍ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَتْ: أُرِيدُ أَنْ تَأْخُذَ هَذَا فَتَخْرُطَهُ حَتَّى يَكُونَ أَصْغَرَ مِنْ هَذَا الْحَجْمِ، فَإِنَّ هَذَا نَافِرٌ عَلَى مَا يُرِيدُونَهُ. فَأَخَذْتُهُ مِنْهَا، وَذَهَبْتُ بِهِ إِلَى الْمَنْزِلِ وَحَصَّلْتُ جَوَاهِرَ أَصْغَرَ مِنْهَا تُسَاوِي أَقَلَّ مِنْ عُشْرِ قِيمَةِ تِلْكَ الْجَوَاهِرِ بِكَثِيرٍ، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا، وَفُزْتُ أَنَا بِذَلِكَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ، فَكَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ. وَقَدِ اتَّفَقَ أَنَّهُ صُودِرَ فِي زَمَانِ الْمُقْتَدِرِ مُصَادَرَةً عَظِيمَةً، أُخِذَ مِنْهُ مَا يُقَاوِمُ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَبَقِيَ مَعَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ شَيْءٌ كَثِيرٌ جِدًّا.

قَالَ بَعْضُهُمْ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَرَدَّدُ فِي مَنْزِلِهِ كَأَنَّهُ مَجْنُونٌ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا لَكَ؟! فَقَالَ: وَيْحَكَ! أُخِذَ مِنِّي كَذَا وَكَذَا، فَأَنَا أُحِسُّ أَنَّ رُوحِي سَتَخْرُجُ. فَعَذَرْتُهُ ثُمَّ أَخَذْتُ فِي تَسْلِيَتِهِ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ دَارَكَ وَبَسَاتِينَكَ وَضِيَاعَكَ الْبَاقِيَةَ لَكَ تُسَاوِي سَبْعَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَاصْدُقْنِي كَمْ بَقِيَ عِنْدَكَ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَالْمَتَاعِ، فَإِذَا هُوَ يُسَاوِي ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يُشَارِكُكَ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ التُّجَّارِ بِبَغْدَادَ، مَعَ مَا لَكَ مِنَ الْوَجَاهَةِ عِنْدَ الدَّوْلَةِ وَالنَّاسِ. قَالَ: فَسُرِّيَ عَنْهُ، وَتَسَلَّى عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَأَكَلَ، وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا، وَلَمَّا خَلَصَ مِنْ مُصَادَرَةِ الْمُقْتَدِرِ بِشَفَاعَةِ أُمِّهِ السَّيِّدَةِ فِيهِ، حَكَى عَنْ نَفْسِهِ، قَالَ: نَظَرْتُ فِي دَارِ الْخِلَافَةِ إِلَى مِائَةِ خَيْشَةٍ، فِيهَا مَتَاعٌ رَثٌّ مِمَّا حُمِلَ إِلَيَّ مِنْ مِصْرَ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ بِدَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>