بْنُ مُقْلَةَ، وَكَتَبَ إِلَى الْعُمَّالِ بِالْآفَاقِ يُخْبِرُهُمْ بِوِلَايَةِ الْقَاهِرِ بِالْخِلَافَةِ عِوَضًا عَنِ الْمُقْتَدِرِ، وَأَطْلَقَ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى مِنَ السِّجْنِ، وَزَادَ فِي أَقْطَاعِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ قَامُوا بِنَصْرِهِ، مِنْهُمْ أَبُو الْهَيْجَاءِ بْنُ حَمْدَانَ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ جَاءَ الْجُنْدُ فَطَلَبُوا أَرْزَاقَهُمْ وَشَغَبُوا، وَسَارَعُوا إِلَى نَازُوكَ فَقَتَلُوهُ - وَكَانَ مَخْمُورًا - ثُمَّ صَلَبُوهُ، وَهَرَبَ الْوَزِيرُ ابْنُ مُقْلَةَ وَالْحَجَبَةُ، وَنَادَوْا: يَا مُقْتَدِرُ يَا مَنْصُورُ. وَلَمْ يَكُنْ مُؤْنِسٌ يَوْمَئِذٍ حَاضِرًا، وَجَاءَتِ الْجُنُودُ إِلَى بَابِهِ يُطَالِبُونَهُ بِالْمُقْتَدِرِ، فَأَغْلَقَ بَابَهُ، وَحَاجَفَ دُونَهُ خَدَمُهُ، فَلَمَّا رَأَى مُؤْنِسٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِ الْمُقْتَدِرِ إِلَيْهِمْ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ، فَخَافَ أَنْ يَكُونَ حِيلَةً عَلَيْهِ، ثُمَّ تَجَاسَرَ فَخَرَجَ، فَحَمَلَهُ الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى أَدْخَلُوهُ دَارَ الْخِلَافَةِ، فَسَأَلَ عَنْ أَخِيهِ الْقَاهِرِ وَأَبِي الْهَيْجَاءِ بْنِ حَمْدَانَ لِيَكْتُبَ لَهُمَا أَمَانًا، فَمَا كَانَ عَنْ قَرِيبٍ حَتَّى جَاءَهُ خَادِمٌ وَمَعَهُ رَأْسُ أَبِي الْهَيْجَاءِ قَدِ احْتَزَّهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، وَجَاءَ الْمُقْتَدِرُ بِاللَّهِ فَجَلَسَ فِي الدَّسْتِ، وَاسْتَدْعَى بِالْقَاهِرِ فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَدْنَاهُ إِلَيْهِ، وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: يَا أَخِي، أَنْتَ لَا ذَنْبَ لَكَ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ قُهِرْتَ. وَالْقَاهِرُ يَقُولُ: اللَّهَ اللَّهَ، نَفْسِي نَفْسِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: وَحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا جَرَى عَلَيْكَ مِنِّي سُوءٌ أَبَدًا. وَعَادَ ابْنُ مُقْلَةَ، فَكَتَبَ إِلَى الْآفَاقِ يُعْلِمُهُمْ بِعَوْدِ الْمُقْتَدِرِ، وَتَرَاجَعَتِ الْأُمُورُ إِلَى حَالِهَا الْأَوَّلِ بِبَغْدَادَ، وَاسْتَقَرَّ الْمُقْتَدِرُ فِي الْخِلَافَةِ كَمَا كَانَ، وَحُمِلَ رَأْسُ نَازُوكَ وَأَبِي الْهَيْجَاءِ بْنِ حَمْدَانَ، فَنُودِيَ عَلَيْهِمَا: هَذَا جَزَاءُ مَنْ عَصَى مَوْلَاهُ. وَهَرَبَ أَبُو السَّرَايَا بْنُ حَمْدَانَ إِلَى الْمَوْصِلِ وَكَانَ ابْنُ نَفِيسٍ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى الْمُقْتَدِرِ، فَلَمَّا عَادَ إِلَى الْخِلَافَةِ خَرَجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute