ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا حَمِيرُ، أَلَيْسَ قُلْتُمْ فِي بَيْتِكُمْ هَذَا {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٧] فَأَيْنَ الْأَمْنُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: أَتَسْمَعُ جَوَابًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: إِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ: فَأَمِّنُوهُ. قَالَ: فَثَنَى رَأْسَ فَرَسِهِ وَانْصَرَفَ.
وَقَدْ سَأَلَ بَعْضُهُمْ هَاهُنَا سُؤَالًا فَقَالَ: قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ - وَكَانُوا نَصَارَى، وَهَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْهُمْ - مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ حَيْثُ يَقُولُ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: ١] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَرَامِطَةَ شَرٌّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، بَلْ وَمِنْ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ، فَهَلَّا عُوجِلُوا بِالْعُقُوبَةِ، كَمَا عُوجِلَ أَصْحَابُ الْفِيلِ؟ وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ: بِأَنَّ أَصْحَابَ الْفِيلِ إِنَّمَا عُوقِبُوا إِظْهَارًا لِشَرَفِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَلِمَا يُرَادُ بِهِ مِنَ التَّشْرِيفِ وَالتَّعْظِيمِ بِإِرْسَالِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ هَذَا الْبَيْتُ فِيهِ ; لِيُعْلَمَ شَرَفُ هَذَا الرَّسُولِ الْكَرِيمِ الَّذِي هُوَ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، فَلَمَّا أَرَادَ هَؤُلَاءِ إِهَانَةَ هَذِهِ الْبُقْعَةِ الَّتِي يُرَادُ تَشْرِيفُهَا عَمَّا قَرِيبٍ، أَهْلَكَهُمْ سَرِيعًا عَاجِلًا، غَيْرَ آجِلٍ، كَمَا ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا كَانَ بَعْدَ تَقْرِيرِ الشَّرَائِعِ وَتَمْهِيدِ الْقَوَاعِدِ، وَالْعِلْمِ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ اللَّهِ بِشَرَفِ مَكَّةَ وَالْكَعْبَةِ، وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَعْلَمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَكْبَرِ الْمُلْحِدِينَ الْكَافِرِينَ ; بِمَا تَبَيَّنَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute