الْمَصَاحِفُ مُنَشَّرَةً، وَعَلَيْهِ الْبُرْدُ وَالنَّاسُ حَوْلَهُ، فَوَقَفَ عَلَى تَلٍّ عَالٍ بَعِيدٍ مِنَ الْمَعْرَكَةِ وَنُودِيَ فِي جَيْشِهِ: مَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ فَلَهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ، وَمَنْ جَاءَ بِأَسِيرٍ فَلَهُ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ أُمَرَاؤُهُ يَعْزِمُونَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقَدَّمَ، فَامْتَنَعَ مِنَ التَّقَدُّمِ إِلَى مَحَلَّةِ الْمَعْرَكَةِ، ثُمَّ أَلَحُّوا عَلَيْهِ، فَجَاءَ بَعْدَ تَمَنُّعٍ شَدِيدٍ، فَمَا وَصَلَ إِلَيْهِمْ حَتَّى انْهَزَمُوا وَفَرُّوا رَاجِعِينَ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ وَلَا عَطَفُوا عَلَيْهِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيَهُ مِنْ أُمَرَاءِ مُؤْنِسٍ عَلِيُّ بْنُ يَلْبَقَ، فَلَمَّا رَآهُ تَرَجَّلَ، وَقَبَّلَ الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَشَارَ عَلَيْكَ بِالْخُرُوجِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، ثُمَّ وَكَّلَ بِهِ قَوْمًا مِنَ الْمَغَارِبَةِ الْبَرْبَرِ، فَلَمَّا تَرَكَهُمْ وَإِيَّاهُ شَهَرُوا عَلَيْهِ السِّلَاحَ، فَقَالَ لَهُمْ: وَيْلَكُمْ! أَنَا الْخَلِيفَةُ. فَقَالُوا: قَدْ عَرَفْنَاكَ يَا سَفِلَةُ، إِنَّمَا أَنْتَ خَلِيفَةُ إِبْلِيسَ، تُنَادِي فِي جَيْشِكَ: مَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ فَلَهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ، وَمَنْ جَاءَ بِأَسِيرٍ فَلَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ؟! وَضَرَبَهُ أَحَدُهُمْ بِسَيْفِهِ عَلَى عَاتِقِهِ، فَسَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ، وَذَبَحَهُ آخَرُ، وَتَرَكُوا جُثَّتَهُ، وَقَدْ سَلَبُوهُ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ عَلَيْهِ، حَتَّى سَرَاوِيلَهُ، وَبَقِيَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ مُجَدَّلًا عَلَى الْأَرْضِ، حَتَّى جَاءَ رَجُلٌ فَغَطَّى عَوْرَتَهُ بِحَشِيشٍ، ثُمَّ دَفَنَهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَعَفَّا أَثَرَهُ. وَأَخَذَتِ الْمَغَارِبَةُ رَأْسَ الْمُقْتَدِرِ عَلَى خَشَبَةٍ قَدْ رَفَعُوهَا وَهُمْ يَلْعَنُونَهُ، فَلَمَّا انْتَهَوْا بِهِ إِلَى مُؤْنِسٍ - وَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا الْوَقْعَةَ - فَحِينَ نَظَرَ إِلَى رَأْسِ الْمُقْتَدِرِ لَطَمَ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ، وَقَالَ: وَيْلَكُمْ! لَمْ آمُرْكُمْ بِهَذَا، لَعَنَكُمُ اللَّهُ قَتَلْتُمُوهُ! وَاللَّهِ لَنُقْتَلَنَّ كُلَّنَا. ثُمَّ رَكِبَ وَوَقَفَ عِنْدَ دَارِ الْخِلَافَةِ حَتَّى لَا تُنْهَبَ، وَهَرَبَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ الْمُقْتَدِرِ وَهَارُونُ بْنُ غَرِيبٍ وَابْنَا رَائِقٍ إِلَى الْمَدَائِنِ، وَكَانَ صَنِيعُ مُؤْنِسٍ هَذَا سَبَبًا لِطَمَعِ أَصْحَابِ الْأَطْرَافِ فِي الْخُلَفَاءِ، وَضَعْفِ أَمْرِ الْخِلَافَةِ جِدًّا، مَعَ مَا كَانَ الْمُقْتَدِرُ يَعْتَمِدُهُ مِنَ التَّبْذِيرِ وَالتَّفْرِيطِ فِي الْأَمْوَالِ، وَطَاعَةِ النِّسَاءِ، وَعَزْلِ الْوُزَرَاءِ، حَتَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute