للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَجْهِ وَالْعَيْنَيْنِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، حَسَنَ الشَّعْرِ، مُدَوَّرَ الْوَجْهِ، مُشْرَبًا بِحُمْرَةٍ، حَسَنَ الْخُلُقِ، قَدْ شَابَ رَأْسُهُ وَعَارِضَاهُ، وَقَدْ كَانَ كَرِيمًا جَوَادًا مُمَدَّحًا، لَهُ عَقْلٌ جَيِّدٌ وَفَهْمٌ وَافِرٌ وَذِهْنٌ صَحِيحٌ.

وَقَدْ كَانَ كَثِيرَ التَّحَجُّبِ وَالتَّوَسُّعِ فِي النَّفَقَاتِ، وَزَادَ فِي رُسُومِ الْخِلَافَةِ وَأُمُورِ الرِّيَاسَةِ، وَمَا زَادَ شَيْءٌ إِلَّا نَقَصَ.

كَانَ فِي دَارِهِ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفِ خَادِمٍ خَصِيٍّ، غَيْرَ الصَّقَالِبَةِ وَالرُّومِ وَالسُّودَانِ، وَكَانَ لَهُ دَارٌ يُقَالُ لَهَا: دَارُ الشَّجَرَةِ، فِيهَا مِنَ الْأَثَاثِ وَالْأَمْتِعَةِ شَيْءٌ كَثِيرٌ جِدًّا، كَمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ حِينَ قَدِمَ رَسُولُ مَلِكِ الرُّومِ. وَقَدْ رَكِبَ الْمُقْتَدِرُ يَوْمًا فِي حَرَّاقَةٍ، وَجَعَلَ يَسْتَعْجِلُ الطَّعَامَ فَأَبْطَئُوا بِهِ، فَقَالَ لِمَلَّاحِ حَرَّاقَتِهِ: وَيْلَكَ! أَعِنْدَكَ شَيْءٌ نَأْكُلُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَتَاهُ بِشَيْءٍ مِنْ لَحْمِ الْجَدْيِ وَخُبْزٍ حَسَنٍ وَمُلُوحَاتٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَعْجَبَهُ، ثُمَّ اسْتَدْعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ مِنَ الْحَلْوَاءِ ; فَإِنِّي لَا أُحِسُّ بِالشِّبَعِ حَتَّى آكُلَ شَيْئًا مِنَ الْحَلْوَاءِ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا حَلَاوَتُنَا التَّمْرُ وَالْكَسْبُ. فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ لَا أُطِيقُهُ. ثُمَّ جِيءَ بِطَعَامِهِ، فَأَكَلَ مِنْهُ وَأُتِيَ بِالْحَلْوَاءِ، فَأَكَلَ وَأَطْعَمَ الْمَلَّاحِينَ، وَأَمَرَ بِتَرْتِيبِ حَلَاوَةٍ تُعْمَلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَكُونُ فِي الْحَرَّاقَةِ بِنَحْوِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، إِذَا اتَّفَقَ رُكُوبُهُ فِيهَا يَأْكُلُ مِنْهَا، فَكَانَ الْمَلَّاحُ يَأْخُذُ ذَلِكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مُدَّةَ سِنِينَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَلَمْ يَتَّفِقْ رُكُوبُ الْمُقْتَدِرِ فِيهَا مَرَّةً أُخْرَى.

وَقَدْ أَرَادَ بَعْضُ خَوَاصِّهِ أَنْ يُطَهِّرَ وَلَدَهُ، فَعَمِلَ أَشْيَاءَ هَائِلَةً، ثُمَّ طَلَبَ مِنْ أُمِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>