للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذِهِ الدَّارَ، وَانْتَقَلَ إِلَى عَالَمِ الْبَرْزَخِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَارِ الْقَرَارِ، وَصَارَ بَعْدَ الدُّورِ وَالْقُصُورِ، إِلَى عَرْصَةِ الْأَمْوَاتِ سُكَّانِ الْقُبُورِ، وَانْتَظَرَ هُنَاكَ النَّفْخَةَ فِي الصُّوَرِ لِيَوْمِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، فَمِنْ مَسْرُورٍ وَمَحْبُورٍ، وَمِنْ مَحْزُونٍ وَمَثْبُورٍ، وَمَا بَيْنَ جَبِيرٍ وَمَكْسُورٍ، وَفَرِيقٍ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٍ فِي السَّعِيرِ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ حَيْثُ قَالَ:

وَلَدَتْكَ أُمُّكَ بَاكِيًا مُسْتَصْرِخًا … وَالنَّاسُ حَوْلَكَ يَضْحَكُونَ سُرَورًا

فَاحْرِصْ لِنَفْسِكَ أَنْ تَكُونَ إِذَا بَكَوْا … فِي يَومِ مَوْتِكَ ضَاحِكًا مَسْرُورًا

وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَوَاطِنُ الثَّلَاثَةُ أَشَقَّ مَا تَكُونُ عَلَى ابْنِ آدَمَ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَى يَحْيَى فِي كُلِّ مَوْطِنٍ مِنْهَا، فَقَالَ: وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ: إِنْ يَحْيَى وَعِيسَى الْتَقَيَا فَقَالَ لَهُ عِيسَى: اسْتَغْفِرْ لِي، أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي. فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: اسْتَغْفِرْ لِي، أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي. فَقَالَ لَهُ عِيسَى: أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي; سَلَّمْتُ عَلَى نَفْسِي، وَسَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ. فَعَرَفَ وَاللَّهِ فَضْلَهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْحَصُورِ، الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَهُوَ أَشْبَهُ; لِقَوْلِهِ: هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>