وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ يُحِبُّ الْعِلْمَ وَأَهْلَهُ، وَكَانَ كَثِيرَ الْأَمْوَالِ وَالصَّدَقَاتِ، ابْتَدَأَ بِعَمَلِ مَارَسْتَانَ بِبَغْدَادَ فَلَمْ يَتِمَّ، فَجَدَّدَهُ عَضُدُ الدَّوْلَةِ بْنُ بُوَيْهِ.
وَكَانَ يَقُولُ: الْعَدْلُ أَرْبَحُ لِلسُّلْطَانِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَكَانَ يَدْفِنُ أَمْوَالًا كَثِيرَةً فِي الصَّحَارِي، فَلَمَّا مَاتَ لَمْ يُدْرَ أَيْنَ هِيَ.
وَكَانَ نُدَمَاءُ الرَّاضِي قَدِ انْحَدَرُوا إِلَى بَجْكَمَ وَهُوَ بِوَاسِطٍ، وَكَانَ قَدْ ضَمِنَهَا بِثَمَانِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، فَكَانُوا يُسَامِرُونَهُ كَالْخَلِيفَةِ، فَكَانَ لَا يَفْهَمُ أَكْثَرَ مَا يَقُولُونَ، وَرَاضَ لَهُ مِزَاجَهُ الطَّبِيبُ سِنَانُ بْنُ ثَابِتٍ الصَّابِئُ حَتَّى لَانَ خُلُقُهُ، وَحَسُنَتْ سِيرَتُهُ، وَقَلَّتْ سَطْوَتُهُ، وَلَكِنْ لَمْ يُعَمَّرْ إِلَّا قَلِيلًا بَعْدَ ذَلِكَ.
وَدَخَلَ عَلَيْهِ مَرَّةً رَجُلٌ فَوَعَظَهُ فَأَبْكَاهُ، فَأَمَرَ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَلَحِقَهُ بِهَا الْغُلَامُ، فَقَالَ بَجْكَمُ لِجُلَسَائِهِ: مَا أَظُنُّهُ يَقْبَلُهَا وَلَا يُرِيدُهَا، وَمَا يَصْنَعُ هَذَا بِالدُّنْيَا؟ هَذَا مُحَرَّقٌ بِالْعِبَادَةِ. فَرَجَعَ الْغُلَامُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ، فَقَالَ: قَبِلَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ بَجْكَمُ: كُلُّنَا صَيَّادُونَ وَلَكِنَّ الشِّبَاكَ تَخْتَلِفُ.
وَكَانَتْ وَفَاتُهُ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَسَبَبُ مَوْتِهِ أَنَّهُ خَرَجَ يَتَصَيَّدُ، فَلَقِيَ طَائِفَةً مِنَ الْأَكْرَادِ، فَاسْتَهَانَ بِهِمْ، فَقَاتَلُوهُ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَتَلَهُ. وَكَانَتْ إِمْرَتُهُ عَلَى بَغْدَادَ سَنَتَيْنِ وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَتِسْعَةَ أَيَّامٍ، وَخَلَّفَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْحَوَاصِلِ مَا يُنَيِّفُ عَلَى أَلْفَيْ أَلْفِ دِينَارٍ، أَخَذَهَا الْمُتَّقِي لِلَّهِ كُلَّهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute