النَّاسِ، وَزَادَتْ حُرْمَتُهُ وَهَيْبَتُهُ، وَاسْتَنْقَذَ بِلَادَ الْقَيْرَوَانِ مِنْهُ، وَمَا زَالَ يُحَارِبُهُ الْمَنْصُورُ حَتَّى ظَفِرَ بِهِ وَقَتَلَهُ. وَلَمَّا جِيءَ بِرَأْسِهِ سَجَدَ شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَ أَبُو يَزِيدَ هَذَا قَبِيحَ الشَّكْلِ، أَعْرَجَ، قَصِيرًا، خَارِجِيًّا شَدِيدًا، يَرَى تَكْفِيرَ أَهْلِ الْمِلَّةِ، قَبَّحَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَفِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَرِيدِيُّ وَصُلِبَ ثُمَّ أُحْرِقَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدِمَ بَغْدَادَ يَسْتَنْجِدُ بَتُوزُونَ وَأَبِي جَعْفَرِ بْنِ شِيرَزَادَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ، فَوَعَدُوهُ النَّصْرَ، ثُمَّ شَرَعَ يُفْسِدُ مَا بَيْنَ تُوزُونَ وَابْنِ شِيرَزَادَ، فَعَلِمَ بِذَلِكَ ابْنُ شِيرَزَادَ، فَأَمَرَ بِسَجْنِهِ وَضَرْبِهِ، وَأَحْضَرَ لَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فُتْيَا عَلَيْهَا خُطُوطُ الْفُقَهَاءِ بِإِبَاحَةِ دَمِهِ، فَاسْتَظْهَرَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ وَصَلْبِهِ، ثُمَّ أَحْرَقَهُ، وَانْقَضَتْ أَيَّامُ الْبَرِيدِيِّينَ وَزَالَتْ دَوْلَتُهُمْ، لَا جَمَعَ اللَّهُ بِهِمْ شَمَلًا.
وَفِيهَا أَخْرَجَ الْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ الْقَاهِرَ مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ - الَّذِي كَانَ خَلِيفَةً، ثُمَّ سُمِلَتْ عَيْنَاهُ - وَأَنْزَلَهُ بِدَارِ ابْنِ طَاهِرٍ، وَقَدِ افْتَقَرَ الْقَاهِرُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنَ اللِّبَاسِ سِوَى قُطْنِ جُبَّةٍ يَلْتَفُّ بِهَا، وَفِي رِجْلِهِ قَبْقَابٌ مِنْ خَشَبٍ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ رَكِبَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ فِي رَجَبٍ مِنْهَا إِلَى وَاسِطٍ لِيُحَاصِرَهَا، فَبَلَغَ خَبَرُهُ إِلَى تُوزُونَ فَرَكِبَ هُوَ وَالْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ رَجَعَ عَنْهَا إِلَى بِلَادِهِ، وَتَسَلَّمَهَا الْخَلِيفَةُ، وَضَمِنَهَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute