مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ قَبْلَهَا، وَأَكْثَرُ عَدَدًا، وَأَفْضَلُ عِلْمًا، وَأَزْكَى عَمَلًا، مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: ٤٢] مَحْفُوظَ الْعُمُومِ ; فَتَكُونَ أَفْضَلَ نِسَاءِ الدُّنْيَا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَهَا، وَوُجِدَ بَعْدَهَا ; لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ نَبِيَّةً، عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِنُبُوَّتِهَا وَنُبُوَّةِ سَارَّةَ أُمِّ إِسْحَاقَ، وَنُبُوَّةِ أُمِّ مُوسَى، مُحْتَجًّا بِكَلَامِ الْمَلَائِكَةِ وَالْوَحْيِ إِلَى أُمِّ مُوسَى، كَمَا يَزْعُمُ ذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ، فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى هَذَا أَنْ تَكُونَ مَرْيَمُ أَفْضَلَ مِنْ سَارَّةَ وَأُمِّ مُوسَى ; لِعُمُومِ قَوْلِهِ: {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: ٤٢] إِذْ لَمْ يُعَارِضْهُ غَيْرُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ، كَمَا قَدْ حَكَاهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، مِنْ أَنَّ النُّبُوَّةَ مُخْتَصَّةٌ بِالرِّجَالِ، وَلَيْسَ فِي النِّسَاءِ نَبِيَّةٌ، فَيَكُونُ أَعْلَى مَقَامَاتِ مَرْيَمَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} [المائدة: ٧٥] . فَعَلَى هَذَا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ أَفْضَلَ الصِّدِّيقَاتِ الْمَشْهُورَاتِ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَهَا، وَمِمَّنْ يَكُونُ بَعْدَهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُهَا مَقْرُونًا مَعَ آسِيَةَ بِنْتِ مُزَاحِمٍ، وَخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ وَأَرْضَاهُنَّ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute