أَنَّ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ آخِرُ مَا أُنْشِدَتْ فِيهِ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ كَانَتْ وَفَاتُهُ عَقِبَ ذَلِكَ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، عَنْ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَحُمِلَ إِلَى مَشْهَدِ عَلِيٍّ، فَدُفِنَ فِيهِ.
وَقَدْ كُتِبَ عَلَى قَبْرِهِ فِي التُّرْبَةِ الَّتِي بُنِيَتْ لَهُ عِنْدَ مَشْهَدِ عَلِيٍّ: هَذَا قَبْرُ عَضُدِ الدَّوْلَةِ وَتَاجِ الْمَمْلَكَةِ أَبِي شُجَاعِ بْنِ رُكْنِ الدَّوْلَةِ، أَحَبَّ مُجَاوَرَةَ هَذَا الْإِمَامِ الْمُتَّقِي لِطَمَعِهِ فِي الْخَلَاصِ {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} [النحل: ١١١] وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَصَلَوَاتُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعِتْرَتِهِ الطَّاهِرَةِ.
وَقَدْ تَمَثَّلَ عِنْدَ مَوْتِهِ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ، وَهِيَ لِلْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ:
قَتَلْتُ صَنَادِيدَ الرِّجَالِ فَلَمْ أَدَعْ ... عَدُوًّا وَلَمْ أُمْهِلْ عَلَى ظَنِّهِ خَلْقَا
وَأَخْلَيْتُ دُورَ الْمُلْكِ مِنْ كُلِّ نَازِلٍ ... فَشَرَّدْتُهُمْ غَرْبًا وَشَرَّدْتُهُمْ شَرْقَا
فَلَمَّا بَلَغْتُ النَّجْمَ عِزًّا وَرِفْعَةً ... وَصَارَتْ رِقَابُ الْخَلْقِ أَجْمَعُ لِي رِقَّا
رَمَانِي الرَّدَى سَهْمًا فَأَخْمَدَ جَمْرَتِي ... فَهَا أَنَا ذَا فِي حُفْرَتِي عَاطِلًا مُلْقَى
فَأَذْهَبْتُ دُنْيَايَ وَدِينِي سَفَاهَةً ... فَمَنْ ذَا الَّذِي مِنِّي بِمَصْرَعِهِ أَشْقَى
ثُمَّ جَعَلَ يُكَرِّرُ هَذِهِ الْآيَةَ {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة: ٢٨] إِلَى أَنْ مَاتَ كَمَا ذَكَرْنَا.
وَأُجْلِسَ ابْنُهُ صَمْصَامُ الدَّوْلَةِ عَلَى الْأَرْضِ، وَعَلَيْهِ ثِيَابُ السَّوَادِ، وَجَاءَهُ الْخَلِيفَةُ الطَّائِعُ مُعَزِّيًا، وَنَاحَ النِّسَاءُ عَلَيْهِ فِي الْأَسْوَاقِ أَيَّامًا كَثِيرَةً، وَلَمَّا انْقَضَى الْعَزَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute