بِسَبَبِهِ بِقَوْلِهِ: آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعْطِي النُّبُوَّةَ مَنْ هُوَ كَمَا زَعَمُوا، لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَقَبَّحَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا [النِّسَاءِ: ١٥٦]. وَذَلِكَ أَنَّ طَائِفَةً مِنَ الْيَهُودِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ قَالُوا: إِنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ مِنْ زِنًا فِي زَمَنِ الْحَيْضِ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ. فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرَ عَنْهَا أَنَّهَا صِدِّيقَةٌ، وَاتَّخَذَ وَلَدَهَا نَبِيًّا مُرْسَلًا، أَحَدَ أُولِي الْعَزْمِ الْخَمْسَةِ الْكِبَارِ، وَلِهَذَا قَالَ: وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ دَعَا إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَنَزَّهَ جَنَابَهُ عَنِ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ; مِنِ اتِّخَاذِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ. وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَهَذِهِ وَظِيفَةُ الْعَبِيدِ فِي الْقِيَامِ بِحَقِّ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ; بِالصَّلَاةِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلِيقَةِ بِالزَّكَاةِ، وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى طَهَارَةِ النُّفُوسِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ، وَتَطْهِيرِ الْأَمْوَالِ الْجَزِيلَةِ بِالْعَطِيَّةِ لِلْمَحَاوِيجِ، عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْنَافِ، وَقِرَى الْأَضْيَافِ، وَالنَّفَقَاتِ عَلَى الزَّوْجَاتِ، وَالْأَرِقَّاءِ، وَالْقَرَابَاتِ، وَسَائِرِ وُجُوهِ الطَّاعَاتِ وَأَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ، ثُمَّ قَالَ: وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا أَيْ: وَجَعَلَنِي بَرًّا بِوَالِدَتِي، وَذَلِكَ أَنَّهُ تَأَكَّدَ حَقُّهَا عَلَيْهِ، لِتَمَحُّضِ جِهَتِهَا، إِذْ لَا وَالِدَ لَهُ سِوَاهَا، فَسُبْحَانَ مَنْ خَلَقَ الْخَلِيقَةَ وَبَرَأَهَا، وَأَعْطَى كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا. وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا أَيْ: لَسْتُ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا يَصْدُرُ مِنِّي قَوْلٌ وَلَا فِعْلٌ يُنَافِي أَمْرَ اللَّهِ وَطَاعَتَهُ. وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا وَهَذِهِ الْمَوَاطِنُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي قِصَّةِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، ﵉، ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى قِصَّتَهُ عَلَى الْجَلِيَّةِ، وَبَيَّنَ أَمْرَهُ وَوَضَّحَهُ وَشَرَحَهُ، قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute