فَكَثُرَ الْعَيَّارُونَ بِبَغْدَادَ، وَتَفَاقَمَ الْحَالُ بِهِمْ، وَفَسَدَ الْبَلَدُ، وَافْتَقَرَ جَلَالُ الدَّوْلَةِ بِحَيْثُ إِنَّهُ احْتَاجَ إِلَى أَنْ بَاعَ بَعْضَ ثِيَابِهِ فِي الْأَسْوَاقِ، وَجَعَلَ أَبُو كَالِيجَارَ يَتَوَهَّمُ مِنَ الْأَتْرَاكِ، وَيَطْلُبُ مِنْهُمْ رَهَائِنَ، فَلَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ، وَطَالَ الْفَصْلُ، فَرَجَعُوا إِلَى مُكَاتَبَةِ جَلَالِ الدَّوْلَةِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى بَلَدِهِ، وَشَرَعُوا فِي الِاعْتِذَارِ إِلَيْهِ، وَخَطَبُوا لَهُ فِي الْبَلَدِ عَلَى عَادَتِهِ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً إِلَى بَغْدَادَ، وَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ الرُّسُلَ إِلَى الْمَلِكِ أَبِي كَالِيجَارَ، وَمِمَّنْ بَعَثَ إِلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ، يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَيَسْتَوْحِشُ مِنْهُ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، وَقَدْ تَحَمَّلَ أَمْرًا عَظِيمًا، فَسَأَلَ أَنْ يُلَقَّبَ بِالسُّلْطَانِ الْمُعَظَّمِ مَالِكِ الْأُمَمِ، فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا لَا يُمْكِنُ ; لِأَنَّ السُّلْطَانَ الْمُعَظَّمَ الْخَلِيفَةُ، وَكَذَلِكَ مَالِكُ الْأُمَمِ. ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى تَلْقِيبِهِ بِمَلِكِ الدَّوْلَةِ، فَأَرْسَلَ مَعَ الْمَاوَرْدِيِّ تُحَفًا عَظِيمَةً ; مِنْهَا أَلْفُ أَلْفِ دِينَارٍ سَابُورِيَّةٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الدَّرَاهِمِ آلَافٌ، وَتُحَفٌ وَأَلْطَافٌ. وَاجْتَمَعَ الْجُنْدُ عَلَى طَلَبِ أَرْزَاقِهِمْ مِنَ الْخَلِيفَةِ، فَتَعَذَّرَ ذَلِكَ، فَرَامُوا أَنْ يَقْطَعُوا خُطْبَتَهُ، فَلَمْ تُصَلَّ الْجُمُعَةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ، ثُمَّ خُطِبَ لَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ الْقَابِلَةِ، وَتَخَبَّطَ الْبَلَدُ جِدًّا وَكَثُرَ الْعَيَّارُونَ.
ثُمَّ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ حَلَفَ الْخَلِيفَةُ لِجَلَالِ الدَّوْلَةِ بِخُلُوصِ النِّيَّةِ وَصَفَائِهَا، وَأَنَّهُ عَلَى مَا يُحِبُّ مِنَ الصِّدْقِ وَصَلَاحِ النِّيَّةِ وَالسَّرِيرَةِ، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ لَعِبِ جَلَالِ الدَّوْلَةِ وَشُرْبِهِ النَّبِيذَ وَتَهَتُّكِهِ بِهِ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَى الْخَلِيفَةِ وَاصْطَلَحَا عَلَى فَسَادٍ.
وَفِي رَجَبٍ غَلَتِ الْأَسْعَارُ جِدًّا بِبَغْدَادَ وَغَيْرِهَا مِنْ أَرَاضِي الْعِرَاقِ، وَلَمْ يَحُجَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute