للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ فَقَالُوا: هَذَا لِمَوْلِدِ عَظِيمٍ فِي الْأَرْضِ. فَبَعَثَ رُسُلَهُ وَمَعَهُمْ ذَهَبٌ وَمُرٌّ وَلِبَانٌ، هَدِيَّةً إِلَى عِيسَى، فَلَمَّا قَدِمُوا الشَّامَ سَأَلَهُمْ مَلِكُهَا عَمَّا أَقْدَمَهُمْ، فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِذَا قَدْ وُلِدَ فِيهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَاشْتَهَرَ أَمْرُهُ بِسَبَبِ كَلَامِهِ فِي الْمَهْدِ، فَأَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِ بِمَا مَعَهُمْ وَأَرْسَلَ مَعَهُمْ مَنْ يَعْرِفُهُ لَهُ ; لِيَتَوَصَّلَ إِلَى قَتْلِهِ إِذَا انْصَرَفُوا عَنْهُ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى مَرْيَمَ بِالْهَدَايَا وَرَجَعُوا، قِيلَ لَهَا: إِنَّ رُسُلَ مَلِكِ الشَّامِ إِنَّمَا جَاءُوا لِيَقْتُلُوا وَلَدَكِ. فَاحْتَمَلَتْهُ، فَذَهَبَتْ بِهِ إِلَى مِصْرَ، فَأَقَامَتْ بِهَا حَتَّى بَلَغَ عُمْرُهُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَظَهَرَتْ عَلَيْهِ كَرَامَاتٌ وَمُعْجِزَاتٌ فِي حَالِ صِغَرِهِ، فَذَكَرَ مِنْهَا، أَنَّ الدِّهْقَانَ الَّذِي نَزَلُوا عِنْدَهُ افْتَقَدَ مَالًا مِنْ دَارِهِ، وَكَانَتْ دَارُهُ لَا يَسْكُنُهَا إِلَّا الْفُقَرَاءُ وَالضُّعَفَاءُ وَالْمَحَاوِيجُ، فَلَمْ يَدْرِ مَنْ أَخَذَهُ، وَعَزَّ ذَلِكَ عَلَى مَرْيَمَ، عَلَيْهَا السَّلَامُ، وَشَقَّ عَلَى النَّاسِ وَعَلَى رَبِّ الْمَنْزِلِ، وَأَعْيَاهُمْ أَمْرُهَا، فَلَمَّا رَأَى عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، ذَلِكَ، عَمَدَ إِلَى رَجُلٍ أَعْمَى، وَآخَرَ مُقْعَدٍ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ هُوَ مُنْقَطِعٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِلْأَعْمَى: احْمِلْ هَذَا الْمُقْعَدَ وَانْهَضْ بِهِ. فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ. فَقَالَ: بَلَى، كَمَا فَعَلْتَ أَنْتَ وَهُوَ حِينَ أَخَذْتُمَا هَذَا الْمَالَ مِنْ تِلْكَ الْكُوَّةِ مِنَ الدَّارِ. فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ صَدَّقَاهُ فِيمَا قَالَ، وَأَتَيَا بِالْمَالِ، فَعَظُمَ عِيسَى فِي أَعْيُنِ النَّاسِ وَهُوَ صَغِيرٌ جِدًّا.

وَمِنْ ذَلِكَ، أَنَّ ابْنَ الدِّهْقَانِ عَمِلَ ضِيَافَةً لِلنَّاسِ بِسَبَبِ طُهُورِ أَوْلَادِهِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ وَأَطْعَمَهُمْ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْقِيَهُمْ شَرَابًا، يَعْنِي خَمْرًا، كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>