وَأَرْبَعِمِائَةٍ بَعْدِ ثَلَاثِ سِنِينَ. وَأَنَّ غِلْمَانَ الْفَاطِمِيِّينَ اقْتَتَلُوا مَعَ غِلْمَانِ الْعَبَّاسِيِّينَ فَأُلْقِيَتْ نَارٌ بِدَارِ الْإِمَارَةِ - وَهِيَ الْخَضْرَاءُ - فَاحْتَرَقَتْ وَتَعَدَّى حَرِيقُهَا إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى الْجَامِعِ فَسَقَطَتْ سُقُوفُهُ وَزَخْرَفَتُهُ وَرُخَامُهُ وَبَقِيَ كَأَنَّهُ خَرَابَةٌ وَبَادَتِ الْخَضْرَاءُ فَصَارَتْ كَوْمًا مِنْ تُرَابٍ، بَعْدَمَا كَانَتْ فِي غَايَةِ الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ وَطَيِّبِ الْغِنَاءِ وَحُسْنِ الْبِنَاءِ فَهِيَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا لَا يَسْكُنُهَا - لِرَدَاءَةِ مَكَانِهَا - إِلَّا سِفْلَةُ النَّاسِ وَسُقَّاطُهُمْ بَعْدَمَا كَانَتْ دَارَ الْمُلْكِ وَالْإِمَارَةِ مُنْذُ أَسَّسَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. وَأَمَّا الْجَامِعُ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِنَاءٌ أَحْسَنُ مِنْهُ، إِلَى أَنِ احْتَرَقَ فَبَقِيَ خَرَابًا مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ شَرَعَ الْمُلُوكُ فِي تَجْدِيدِهِ وَتَرْمِيمِهِ حَتَّى بُلِّطَ فِي زَمَنِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ، وَلَمْ يَزَلْ فِي تَحْسِينِ مَعَالِمِهِ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا فَتَمَاثَلَ حَالُهُ بَعْضَ التَّمَاثُلِ، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالِهِ الْأَوَّلِ كَلَا شَيْءٍ، وَلَا زَالَ التَّحْسِينُ فِيهِ إِلَى أَيَّامِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ تَنْكِزَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّاصِرِيِّ فِي حُدُودِ سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا بِيَسِيرٍ.
وَفِيهَا رَخُصَتِ الْأَسْعَارُ بِبَغْدَادَ رُخَصًا بَيِّنًا. وَنَقَصَتْ دِجْلَةُ نَقْصًا ظَاهِرًا. وَفِيهَا أَخَذَ الْمَلِكُ أَلْبُ أَرْسَلَانَ الْعَهْدَ بِالْمُلْكِ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ مَلِكْشَاهْ وَمَشَى بَيْنَ يَدَيْهِ بِالْغَاشِيَةِ، وَالْأُمَرَاءُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَتَمَاشَوْنَ بِالْخِلَعِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ نُورُ الْهُدَى أَبُو طَالِبٍ الْحُسَيْنُ بْنُ نِظَامِ الْحَضْرَتَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute