يُذَكِّرُهُ تَعَالَى بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِ، وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ فِي خَلْقِهِ إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ، بَلْ مِنْ أُمٍّ بِلَا ذَكَرٍ، وَجَعْلِهِ لَهُ آيَةً لِلنَّاسِ، وَدَلَالَةً عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ تَعَالَى، ثُمَّ إِرْسَالِهِ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ {وَعَلَى وَالِدَتِكَ} [المائدة: ١١٠] فِي اصْطِفَائِهَا وَاخْتِيَارِهَا لِهَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ، وَإِقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَى بَرَاءَتِهَا مِمَّا نَسَبَهَا إِلَيْهِ الْجَاهِلُونَ ; وَلِهَذَا قَالَ: {إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [المائدة: ١١٠] وَهُوَ جِبْرِيلُ، بِإِلْقَاءِ رُوحِهِ إِلَى أُمِّهِ، وَقَرْنِهِ مَعَهُ فِي حَالِ رِسَالَتِهِ، وَمُدَافَعَتِهِ عَنْهُ لِمَنْ كَفَرَ بِهِ {تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا} [المائدة: ١١٠] أَيْ: تَدْعُو النَّاسَ إِلَى اللَّهِ فِي حَالِ صِغَرِكَ فِي مَهْدِكَ، وَفِي كُهُولَتِكَ {وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [المائدة: ١١٠] أَيِ الْخَطَّ وَالْفَهْمَ. نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُ السَّلَفِ {وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} [المائدة: ١١٠] وَقَوْلُهُ {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي} [المائدة: ١١٠] أَيْ: تُصَوِّرُهُ وَتُشَكِّلُهُ مِنَ الطِّينِ عَلَى هَيْئَتِهِ، عَنْ أَمْرِ اللَّهِ لَهُ بِذَلِكَ {فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي} [المائدة: ١١٠] أَيْ: بِأَمْرِي. يُؤَكِّدُ تَعَالَى بِذِكْرِ الْإِذْنِ لَهُ فِي ذَلِكَ ; لِرَفْعِ التَّوَهُّمِ. وَقَوْلُهُ: {وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ} [المائدة: ١١٠] قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: وَهُوَ الَّذِي يُولَدُ أَعْمَى، وَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ مِنَ الْحُكَمَاءِ إِلَى مُدَاوَاتِهِ {وَالْأَبْرَصَ} [المائدة: ١١٠] وَهُوَ الَّذِي لَا طِبَّ فِيهِ، بَلْ قَدْ مَرِضَ بِالْبَرَصِ وَصَارَ دَاؤُهُ عُضَالًا {وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى} [المائدة: ١١٠] أَيْ مِنْ قُبُورِهِمْ أَحْيَاءً بِإِذْنِي. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ مِرَارًا مُتَعَدِّدَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute