(١) هذا كلام غير واحد ممن ألف في المصطلح وأصول الفقه، زعموا أنَّ الآحادَ الذي لم يبلُغْ حدَّ التواتر لا يفيدُ العلمَ؛ وهذا كلامٌ باطل قطعًا، حتى عند الجماهير؛ لأننا ينبغي أن نبقى على تذكر بأنَّ مرادهم بالآحاد ما ليس بمتواتر، ومذهب جماهير الأصوليين والمحدثين أنَّ الآحاد إذا لحقته قرينة، ولو كان فردًا غريبًا؛ فإنه يفيد العلم، كأَنْ يوجد حديث غريب في "الصحيحين" - أو في أحدهما -؛ فهذه قرينة، فكيف إذا كان للحديث شواهد وطرق وما شابه، ولذا؛ هذا الحد أمره إلى المحدثين وإلى أهل الصنعة الحديثية، وليس إلى مَن لا يعرف من هذه الألفاظ إلَّا الرسوم والمصطلحات، ولا يعرف حقائق الأشياء. ولذا نقول: لا يقول عاقل بتصديق خبر كلِّ أحدٍ وإفادته العلم، إلا إِنْ ثبت عند أهل الصنعة الحديثية، قال ابن تيمية في "المسودة" (٢٤٤): "فإنَّ أحدًا من العقلاء لم يقل إنَّ خبر كل واحدٍ يُفيد العلم". وقال ابن القيم في "الصواعق المرسلة" (٢/ ٣٥٩ - ٣٦٠): "خبر الواحد بحسب الدليل الدال عليه؛ فتارة يجزم بكذبه لقيام دليل كذبه، وتارة يظن كذبه إذا كان دليل كذبه ظنيًّا، وتارة يتوقف فيه؛ فلا يترجح صدقه ولا كذبه، إذا لم يقم دليل أحدهما، وتارة يترجح صدقه ولا يجزم به، وتارة يجزم بصدقه جزمًا لا يبقى معه شك، فليس خبر كل واحد يفيد العلم ولا الظن". والقائلون بإفادة خبر الواحد العلم، وقع بينهم خلاف في نوعه: هل هو ضروري أو نظري؟ وهل يُفيد علم طمأنينة أو يقين؟ انظر التفصيل في: "البحر المحيط" (٤/ ٢٣٨ - ٢٤٠). والمشهور من أقوال الأصوليين: أنه يُفيد العلم الضروري، والجميع متفق على أنّ المتواتر يفيد العلم واليقين، والخلاف إنَّما هو في نوع هذا العلم؛ =