دفع الاستشكالَيْن: أجاب العلماء على ما استشكل على مقولة مسلم: "وإنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه" عامّة، وعلى وجود أحاديث في "صحيح مسلم" تكلّم عليها أبو زرعة خاصة بجوابين: أحدهما: أنه أراد بهذا الكلام - والله أعلم - أنه لم يضع في كتابه إلا الأحاديث التي وجد عنده فيها شرائط المجمع عليه، وإنْ لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم. وإلى هذا نحا واضعو "الموسوعة البريطانية" (٨/ ٥٣٨)؛ ففيها: "وهذا "الصحيح" - "صحيح مسلم" - يعتبر مميزًا لإطلاقه العنان للموافقة الجماعية على مسائل الإسناد". والآخر: أنه أراد أنه ما وضع فيه ما اختلف الثقات فيه في نفس الحديث متنًا أو إسنادًا، ولم يرد ما كان اختلافهم إنما هو في توثيق بعض رواته، وهذا هو الظاهر من كلامه؛ فإنه ذكر ذلك لما سئل عن حديث أبي هريرة: "وإذا قرأ فأنصتوا"؛ هل هو صحيح؟ فقال: "هو عندي صحيح". فقيل له: لِمَ لم تضعه ههنا؟ فأجاب بالكلام المذكور. ويتأيَّد هذا إذا علمنا أن انتقادات أبي زرعة في المثالين السّابقين إنما هو في الطرق لا في متون معروفة متفق عليها. وهذا كله يفسّر لنا بعض ما في مقولة الإِمام مسلم السّابقة من الفوائد، ويلقي الضوء أيضًا على ما ورد عنه أنه قال: "ما وضعتُ شيئًا في هذا المسند إلا بحجّة، وما أسقطتُ منه شيئًا إلا بحجة"، لا سيما الشطر الأول من مقولته هذه؛ إذ يلتقي قوله: "وإنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه" مع قوله: "ما وضعتُ شيئًا في هذا المسند إلا بحجة". وانظر: "مقدمة ابن الصلاح" (٩٢ - ط بنت الشاطئ)، "صيانة صحيح مسلم" (٧٥، ٩٨)، "المنهل الروي" (١٢٣)، "شرح النووي على صحيح مسلم" (١/ ١٦)، "تدريب الراوي" (١/ ٩٨)، كتابي "الإمام مسلم ومنهجه في الصحيح" (٢/ ٤٠٧ - ٤١٢).