وقد صرّح المزِّيُّ بالفرق بين اصطلاح المتقدّمين والمتأخّرين في شروط الشيخين؛ فذكر أن اصطلاح المتقدّمين إذا قالوا: على شرط البخاري ومسلم؛ أي: إن ذلك مخرج على نظير رجال "الصحيحين"، واصطلاح المتأخرين إذا كان على رجال "الصحيحين" أنفسهم، انظر "اللقط" أيضًا. وإلى الأخير ذهب شيخُ الإِسلام ابنُ تيمية رحمه الله تعالى؛ فقال في "مجموع الفتاوى" (١٨/ ٤٢): "وأما شرط البخاري ومسلم؛ فلهذا رجال يروي عنهم، يختصّ بهم، ولهذا رجال يروي عنهم، يختصُّ بهم، وهما مشتركان في رجال آخرين، وهؤلاء الذين اتفقا عليهم؛ عليهم مدار الحديث المتّفق عليه، وقد يروي أحدُهم عن رجلٍ في المتابعات والشواهد دون الأصل، وقد يروي عنه ما عرف من طريق غيره، ولا يروي ما انفرد به، وقد يترك من حديث الثّقة ما علم أنه أخطأ فيه؛ فيظنّ من لا خبرة له أن كل ما رواه ذلك الشخص يحتج به أصحاب "الصحيح"، وليس الأمر كذلك؛ فإن معرفة علل الحديث علم شريف يعرفه أئمة الفنّ". وهذا هو عين قولِ ابن الصَّلاح، وهو الذي لم يرضَ المباركفوري غيرَهُ، قال رحمه الله تعالى في (مقدمة) "تحفة الأحوذي" (١/ ١٤٢ - ١٤٣): "فاعلم واستمع وأنت تنفض يديك عن لوث التقليد والتزليق، وتمسح عينيك عن قذى العصوبة في نظرك إلى شواهق ذروة التحقيق، أن الحذاق الكبراء من هذا الفنّ تكلّموا في تعيين شروط الشيخين في "الصحيحين"، على اختلافِ كثيرٍ لم يقضِ وطرأ عن تعيين تلك الشروط، وآلتْ كلمتُهُم إلى أن شرطهما فيهما بذل جهدهم في التيقّظ من كل وجهٍ في الأسانيد والمتون من حيث ما أمكن لهم من صرف مجهودهما في كونهما سلطاني سلاطين الصّنعة"، قال رحمه الله تعالى: "لم يَبْقَ سبيل إلى ضبط ما راعياه واحتاطاه على مبلغ كمالهما وخبرتهما في دقائق التصحيح والعلل في كتابَيْهما، وقد ثبت أنهما أخرجاهما عن ألوف من الصحاح الثابتة عندهما"، قال: (فَدَقَّقا النَّظَرَ في الصحيح عندهما، وأخرجا منهما اللبَّ، وكلّ ما به وقع التدقيق؛ فهو شرطهما، فلا =