يعني: لم يصرّحا به، ولم يوجد بالإِجماع في عصرهما ولا فيما بحد ذلك مثلهما في هذا الفن وإِمامته؛ فلا سبيل إلى إتيان مثل شروطهما في حذاقتهما من غير الرواية عن رجالهما بالأعيان، وذلك أيضًا برواية غيرهما عنهم لا يوجب المساواة بهما، ولا يزول به خصوص أصحيّة ما فيهما بالنّسبة إلى غيرهما، وذلك من وجوه: الوجه الأول: أنّ الشيخين لا يكتفيان في التصحيح بمجرد حال الراوي في العدالة والاتّصال من غير نظر إلى غيره، بل ينظران في حاله مع من روى عنه في كثرة ملازمته له أو قلّتها، أو كونه من بلده ممارسًا لحديثه، أو غريبًا من بلد من أخذ عنها، ثم ذكر أربعة وجوه أخرى تدلك على أن الحكم لشخص بمجرد رواية مسلم عنه في "صحيحه" بأنه من شرط "الصحيح" غفلة وخطأ، بل ذلك يتوقف على النظر في كيفية رواية مسلم عنه، وعلى أي وجه اعتمد عليه، ثم قال: "والحاصل أن الحُدّاق ربما يروون عن رجالٍ ليسوا على باله، ولا يضرّهم ذلك بما رزقوا من البصارة في أمرهم، على ما ثبت عن سفيان أنه كان يقول: حدثني فلان، وهو كذاب، فقيل له: أنت تروي عنه، وتقول: هو كذاب؟! قال: إني أعرف كذبه من صدقه. وهذا الذي بسطنا لك يعطيك أن رواية غير الشيخين لا يوجب مساواة مرويِّه بمرويِّهما". وبهذا الفرق الذي ذكره المزي، وبهذا الكلام الذي ذكره المباركفوري ينفصل البحث معنا إلى ما حطّ عليه المتأخِّرون، وهو قول ابن الصلاح - كما نقله عند المصنف - ومن تابعه، وهو صنيع جماعة من المتقدمين، مثل: الدارقطني في "الإِلزامات"، وابن دقيق العيد في "الاقتراح"، والذهبي في "مختصر المستدرك"، وابن القيم في "زاد المعاد" (٣/ ٥٠٢)، وغيرهم.