للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأجيب: بأن ذلك راجع إلى الإسناد بأن روي ذلك الحديث بإسنادين، أحدهما إسناد حسن، والآخر إسناد صحيح، فاستقام أن يقال فيه: إنه حسن صحيح (١).

وقال قاضي القضاة تقي الدين: "يجوز أن يقال: حسن باعتبار الصفات الأدنى، وهي الصِّدقُ والعَدَالة وعدم التهمة والكذب في رواته، وصحيح باعتبار الصفات الأعلى من الضبط والإتقان والحفظ، ولا تنافي بينهما، وكل صحيح حسن دون العكس" (٢).

وفيه بحث؛ إذ لا نسلِّم أنَّ كلَّ صحيح حسن، فإنَّ الصحيح الذي ليس له إلا راوٍ واحد - على ما تبين إن شاء الله تعالى - ليس بحسن، لما بيَّنَّا أنّ الحسن ما روي من غير وجه.


(١) قال عنه السيوطي في "التدريب" (١/ ١٦٤): "هو الذي أرتضيه، ولا غبار عليه". قلت: ليس كذلك قطعًا" ويؤيده أنه معروف في كلام الترمذي قوله في "جامعه": "هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه"، ينظر فيه: الأرقام (١١٥، ٢٠٢، ٢١٠، ٤٨٠، … ).
ويجاب على هذا الاعتراض بأمرين:
الأول: أنّ كلام الترمذي محمول على الغالب، فالذي ذكره الترمذي بقيد "إلا من هذا الوجه" مغمور وقليل بالنسبة إلى مطلقه.
والآخر: يحتمل أنّ يريد به: لا نعرفيه إلا من حديث بعض الرواة، لا أنّ المتن لا نعرفه إلا من هذا الوجه، أي: انفراد الراوي به من راوٍ آخر، لا أن المتن منفرد به. ويدل على هذا أنه أخرج في كتاب الفتن: باب ما جاء في إشارة المسلم إلى أخيه بالسلاح (٤/ ٤٦٣ - ٤٦٤) حديث خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة رفعه: "من أشار على أخيه بحديدة … "، قال: "حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، يستغرب من حديث خالد" فاستغربه من حديث خالد لا مطلقًا، وينظر منه أيضًا حديث (رقم ١١٥)، وينظر أيضًا: "نكت الزركشي على ابن الصلاح" (١/ ٣٧٠)، وكتابي "البيان والإيضاح" (٦٦ - ٦٧).
(٢) "الاقتراح" (ص ١٧٦)، بتصرف.

<<  <   >  >>