للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وذلك لقلة ممارسته لحديثهم.
وعلى هذا ينبغي أن يُسْبرَ حال الشخص في الرواية بعد ثبوت عدالته، فمهما حصل الفهمُ بحال الراوي على النحو المذكلور، وكلان الراوي محتويًا على الشرائط المذكورة؛ تَعَيَّنَ إخراجُ حديثه منفردًا كان به أو مشاركًا".
ومنه تعلم مدى دقّة مسلم في انتقائه وأنه ما وضع في "صحيحه" شيئًا إلا بحجة، وما ترك شيئًا إلا بحجة، فللَّه دره ما أبعد غوره! وأثقب بصره! وفي مثل هذا يقول ابن القيم في "الزاد" (١/ ٣٦٤): "ولا عيب على مسلم في إخراج حديثه، لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه، كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه، فغلط في هذا المقام من استدرك عليه إخراج جميع حديث الثقة، ومن ضعف حديث سيئ الحفظ، فالأولى طريقة الحاكم وأمثاله، والثانية طريقة أبي محمد بن حزم وأشكاله، وطريقة مسلم هي طريقة أئمة هذا الشأن، والله المستعان".
وناقش العراقيُّ ابن طاهر في قوله هذا؛ فقال في "شرحه على الألفية" (ص ٢١ - ٢٢).
"ما قاله ابن طاهر ليس بجيّد، حيث قال: (المتفق على ثقة نقلته)! لأن النسائي ضعف جماعةَ أخرج لهم الشيخان أو أحدُهما؛ غير أن تضعيف النسائي لهم بدون تبيين السبب، وقد ذكر علماء الجرح أن الجرح الذي لم يبين سببه غير مفيد للجرح، ولكن يوجب الريبة والتوقف في غير المشاهير بالعدالة والأمانة؛ فلا يؤثر فيهم".
ورد السيوطيُّ اعتراض العراقي؛ فقال:
"وأجيب بأنهما أخرجا من أجمع على ثقته إلى حين تصنيفهما، ولا يقدح في ذلك تضعيف النسائي بعد وجود الكتابين".
ويمكن أن يجاب بأن ما قاله ابن طاهر هو الأصل الذي بنينا عليه أمرهما، وقد يخرجان عنه لمرجّح يقوم مقامه، ولا شك أن مسلمًا خاصة خرج من شملهم الستر والصدق، وفيهم من تكلم فيه، ولكن كان له (ذوق) و (نقد) في ذلك، كما بسطناه قريبًا.
وانظر "فتح المغيث" (١/ ٤٦)، و"توضيح الأفكار" (١/ ١٠١).

<<  <   >  >>