للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأدْنَاسِها (١)، ولْيَحذَر ثلاثةً:

حبَّ الرِّياسة (٢)،


(١) لا سيما في وقت فتحت فيه الدنيا، وطلب العلم للوظيفة، وظهرت فيه آفة المكاثرة والمناكدة والمفاخرة، وساعد على انتشار ذلك وسائل الإعلام، وكادت أن تضيع أخلاق العلماء؛ فلا صبر ولا حلم، ولا هضم النفس، إلا عند بقية ممن هم على منهج السلف اسمًا وحقيقة، جعلنا الله منهم، وكثَّرهم وحيَّاهم وبيَّاهم.
(٢) ليسمع هذه النصيحة من يخاف على دينه، وقد قال الثوري: "مَنْ تَصدَّر وهو صغير، فاته علم كثير"، أسنده عنه الدينوري في "المجالسة" (١٨٣٠).
ويا ليت الأمر يقتصر على فوات العلم الكثير، وإنما يتعدى ذلك إلى شر مستطير، قال الخطيب في "الجامع" (١/ ٣٢١): "كان يقال: من طلب الرئاسة وقع في الدياسة". قلت: يقال: داس فلانًا دياسة، أذله، أو وطئه برجله، وأسند الصيمري في "أخبار أبي حنيفة وأصحابه" (٤٢) - وعنه الصالحي في "عقود الجمان" (ص ٣٠٢) - عن زفر عن أبي حنيفة قال: "من طلب الرئاسة قبل وقتها عاش في ذلّ".
قال أبو عبيدة: صدق، والله، وقد عانيتُ ذلك في كثير من المتصدِّرين غير المتأهلين، وفي عدد من المستعجلين الحاسدين، فأخذوا يناطحون بلا قرون، فالتحصيل قليل، والبضاعة مزجاة، والنفوس ذليلة، والألسنة طويلة، دون أداء حق الله من النصيحة، وإنْ لم تصدِّقني، فتفقَّدْ!
يا هذا! تواضع ولا تتحامق! ولا ترتفع! اعرف حقّ أساتيذك ومعلِّميك، وتذكر ما أسنده الخطيب في "الجامع" (٧٠٨) عن شعيب بن حرب: "من طلب الرئاسة ناطحتْه الكباش، ومن رضي بأن يكون ذنبًا، أبى الله إلا أن يجعله رأسًا".
والذي نفسي بيده! لو أن الأمة جميعها: إنسها وجنَّها، صغيرها وكبيرها، عالمها وجاهلها أرادت أن ترفع من وضع الله ما استطاعت، ولو أنها أرادت أن تضع من رفعه الله ما قدرت، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حق على الله عزَّ وجلَّ أن لا يرفع شيئًا من الدنيا إلا وضعه" أخرجه البخاري (٢٨٧١، ٦٥٠١) وغيره. =

<<  <   >  >>