للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

هذا حديث صحيح متَّفق على صحته، وتواتر جَدُّهم في امتثال أمر الله تعالى، وأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وبذل النَّفس والمال.

وأما الفتن فمحمولة على اجتهادهم، فإنْ قلنا: كل مجتهد مصيب (١)؛ فلا إشكال، وإن قلنا: إن المصيب واحد؛ فلا إشكال أيضًا،


(١) كادت أن تتفق الكلمة على أنَّ الحق من قول المختلفين فيما يسمَّى بالأصول واحد، وما عداه باطل. ويراد بالأصول: العقائد وما يتعلق بها كهذه المسألة، مع أن التفريق بين الأصول والفروع عسر، بل متناقض، لا يمكن وضع حدٍّ بينهما ينضبط به، وهو من مولَّدات المعتزلة، كما تراه في "منهاج السنة" (٥/ ٨٧ - ٨٨) و"مجموع الفتاوى" (٢٣/ ٣٢٦ - ٣٥٠) كلاهما لابن تيمية، و"الصواعق المرسلة" (٢/ ٥٠٩ - ٥١٥) لابن القيم، و"العلم الشامخ" (ص ٥٢٩) للمَقْبلي.
قال الأصوليون: وأما في الفروع والظنيات؛ فذهب الجماهير إلى أن الحق من قول المجتهدين واحد، قال الشافعي في "إبطال الاستحسان" (٤١): "فإن قال قائل: أرأيت ما اجتهد فيه المجتهدون، فكيف الحق فيه عند الله؟ قيل: لا يجوز فيه -عندنا- -والله تعالى أعلم- أنْ يكون الحق فيه عند اللَّه إلا واحدًا؛ لأنَّ علم اللَّه -عز وجل- وأحكامه واحد؛ لاستواء السرائر والعلانية عنده، وأنّ علمه بكل واحدٍ -جل ثناؤه- سواء".
وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه البخاري (٧٣٥٢): "إذا حكم الحاكم، فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد، ثم أخطأ فله أجر" دلالة صريحة على هذا القول؛ إذ جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - المجتهدين قسمين: قسمًا مُصيبًا، وقسمًا مُخطئًا، ولو كان كل واحدِ مُصيبًا لم يكن لهذا التقسيم معنًى، ومَن جعل الحقَّ مُتعدِّدًا بتعدد المجتهدين فقد أخطأ، وخالف الصواب مخالفة ظاهرة، أفاده الشوكاني في "إرشاد الفحول" (٣٨٦).
ومن لطيف ما يستدل عليه: أنَّ لازم قول القائل: (كل مجتهد مصيب) صحَّةُ هذا الترجيح، ذلك أنَّ القائل إمَّا أنْ يعتقد أن قوله: (ليس كل مجتهد مصيب): صحيحة أو باطلة؛ فإن اعتقد بطلانها نقض قوله، وإن اعتقد =

<<  <   >  >>