(١) بوَّب الخطيب البغدادي في كتابه "الكفاية" (ص ٦٣ - ٦٧): (باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة وأنه لا يحتاج إلى سؤال عنهم وإنما يجب فيمن دونهم) -ثم قال-: "كل حديث اتصل إسناده بين من رواه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن". ثم ساق جملة من الآيات الدالة على ذلك وكذلك جملة من الأحاديث، إلى أن قال: "والأخبار في هذا المعنى تتسع وكلها مطابقة لما ورد في نص القرآن، وجميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة والقطع على تعديلهم ونزاهتهم، فلا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى لهم المطلع على بواطنهم إلى تعديل أحد من الخلق له". ثم قال: "على أنه لو لم يرد من الله -عز وجل- ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين؛ القطع على عدالتهم والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيئون بعدهم أبد الآبدين". فلقد صدق -رحمه لله- لو لم تكن عدالتهم منصوصًا عليها في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لجزم أهل العقول الصحيحة والقلوب السليمة بعدالتهم؛ استنادًا إلى ما تواترت به الأخبار عنهم من الأعمال الجليلة والخيرات الوفيرة التي قدموها لنصرة الدين الحنيف، فقد بذلوا ما أمكنهم بذله في سبيل نصرة الحق ورفع رايته وإرساء قواعده ونشر أحكامه في جميع الأقطار، رضي الله عنهم أجمعين. والعدالة المرادة هنا ليس المقصود بها عدم الوقوع في الذنوب والخطايا؛ =