قال ابن الأنباري: "وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم واستحالة المعصية منهم، وإنما المراد قبول رواياتهم من غير تكلف البحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية، إلا إن ثبت ارتكاب قادح؛ ولم يثبت ذلك ولله الحمد، فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حتى يثبت خلافه، ولا التفات إلى ما يذكره أهل السير؛ فإنه لا يصح وما صح فله تأويل صحيح"، كذا في "فتح المغيث" (٣/ ١١٥). وهذا أمر مجمع عليه، أعني: ثبوت عدالة الصحابة، فقد تتابعت كلمات وتقريرات علماء أهل السنة على إثبات ذلك، وهذه باقة منها، مع الحرص على تنوّعها، باختلاف أعصار وأمصار ومذاهب ومشارب أصحابها: أولا: قال الخطيب البغدادي -رحمه اللَّه تعالى- بعد أن ذكر الأدلة من كتاب الله وسنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - التي دلت على عدالة الصحابة وأنهم كلهم عدول، قال في "الكفاية" (٦٧): "هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء". ثانيًا: قال أبو عمر بن عبد البر في "الاستيعاب" (١/ ٨ - بهامش "الإصابة"): "ونحن وإن كان الصحابة -رضي الله عنهم- قد كفينا البحث عن أحوالهم لإِجماع أهل الحق من المسلمين -وهم أهل السنة والجماعة- على أنهم كلهم عدول، فواجب الوقوف على أسمائهم". ثالثًا: حكى الإِجماع على عدالتهم إمام الحرمين، وعلل حصول الإِجماع على عدالتهم بقوله: "ولعل السبب فيه أنهم نقلة الشريعة، فلو ثبت توقف في رواياتهم لانحصرت الشريعة على عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولما استرسلت على سائر الأعصار"، كذا في "فتح المغيث" (٣/ ١١٢). رابعًا: قال الغزالي في "المستصفى" (١/ ١٦٤): "والذي عليه سلف الأمة وجماهير الخلق أن عدالتهم معلومة بتعديل الله -عز وجل- إياهم وثنائه عليهم في كتابه، فهو معتقدنا فيهم، إلا أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به، وذلك مما لا يثبت، فلا حاجة لهم إلى التعديل". ثم ذكر بعض ما دل على عدالتهم من كتاب اللَّه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: =