للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه للسمع والقلوب واللحظ ... ضروب شتى من الشهواتِ

فهو مما اصطنعت حقاً لنفسي ... ابتغي به أقرب القرباتِ

وهو لا شك روضتي وعداتي ... فيه حقاً تكاملت لذاتي

وهو أُنسي إذا عدمت أنيسي ... وسميري الشهي في الخلواتِ

وإمامي يوم المعاد وذخري ... في حياتي الدنيا وعند المماتِ

وكيف لا يكون القرآن الكريم أنيس المسافر, ومحاسنه لا تحصى, فهو يفيدك ويهديك ويثيبك ويغنيك, فإنك إن تلوت منه حرفاً كتبت لك به حسنة ففي الحديث النبوي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا, لا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْف) (١) , ولو أن واحداً قرأ سورة الأنعام التي يقول عنها الفيروزآبادي: عدد آياتها مائة وخمس وستون آية وعدد كلماتها ثلاثة آلاف واثنتان وخمسون كلمة وعدد حروفها اثنا عشر أَلفاً ومائتان وأَربعون (٢) , لكان قد حصل قارؤها على (مائة واثنين وعشرين ألفاً وأربعمائة) حسنة خلال وقت يقرب من نصف ساعة, فكيف يترك الإنسان هذا الفضل الكبير والخير العظيم في سفره وإقامته, وقد جعل الله القرآن روحاً تحيا به نفوس الخلق فله فضل الأرواح في الأجساد وجعله نوراً يضيء ضياء الشمس في الآفاق, وقد رأيت كيف فعل القرآن بالعرب في فجر الإسلام حيث كانوا بالأمس مشتتين لا تجمعهم رابطة سياسية أو قومية أو دينية وبعد مجيء القرآن صاروا أمة موحدة تحمل الفضيلة وتحكم العالم, قال الشاعر:

والعلمُ مهما صادفَ التقوى يكنْ ... كالريحِ إذْ مرَّتْ على الأزهارِ

يا قارئَ القرآنِ إنْ لمْ تتبعْ ... ما جاء فيه فأينَ فضلُ القاري

وسبيلُ منْ لم يعلموا أنْ يحسنوا ... ظنّاً بأهلِ العلمِ دونَ نفارِ (٣)

وفي الذكر الحكيم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (٤) , والموعظة هي ما جاء في القرآن من الزواجر عن الفواحش والأعمال الموجبة لسخط الله أو هي الأمر والنهي باسلوب الترغيب والترهيب, وفي القرآن شفاء لما في الصدور من أمراض الشبه والشكوك والشبهات وإزالة ما فيها من رجز ودنس, وفيه الشفاء من الأسقام البدنية والأسقام القلبية, فهو الذي يزجر عن مساوئ الأخلاق وأقبح الأعمال ويحث على التوبة, وفيه هدىً ورحمةً للمؤمنين كما قال سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً} (٥) , وقال: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} (٦) , فالهدى هو العلم بالحق والعمل به, والرحمة ما يحصل من الخير والإحسان والثواب العاجل والآجل لمن اهتدى بالقرآن العظيم, وإذا حصل


(١) - أخرجه الترمذي في سننه باب ما جاء في من قرأ حرفاً من القرآن حديث (٢٨٣٥) .
(٢) - بصائر ذوي التمييز ج١ص١٢٩.
(٣) - تنسب هذه الأبيات لابن الوردي.
(٤) - سورة يونس الآية (٥٧) .
(٥) - سورة الإسراء الآية (٨٢) .
(٦) - سورة فصلت الآية (٤٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>