للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه ورد في الحديث النبوي الشريف: (إِنَّ الإِسْلامَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا) (١) , فالانتماء إلى الوطن في الإسلام يمثل شكلاً من أشكال الجماعة التي جاءت تعاليمه تشد من أزرها وتؤكد عليها وفق ضوابط شرعية وحدود مرعية, وقد استثمر المسلمون الأوائل ذلك في تحقيق مصالح الجماعة في عدد من المناسبات والظروف المختلفة في إعداد الجيوش وترتيبها في المعارك, وفي تنظيم الناس في العطاء, وفي تخطيط المدن, وفي حفظ الأمن, وفي تنظيم علاقة الراعي بالرعية, إلى غير ذلك من الأمور الهامة.

والمواطنة في الإسلام حق مكتسب لسائر الناس بما يرتب عليها من حقوق وواجبات إلا في جزيرة العرب فلا يسكنها على سبيل الإقامة الدائمة إلا المسلمون دون غيرهم, ومن نعم الله أن القرآن لم يكبح غريزة حب الأوطان, ولكنه يمنع أن تكون تلك المحبة مساوية لحب الله ورسوله أو مؤثرة عليهما {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (٢) .

ومن رحمة الله تعالى أنه لم يذم حب الأهل والأقارب والأزواج ولا حب المال والمكاسب والاتجار ولا حب الأوطان، ولم ينه عنها، وإنما جعل من


(١) - أخرجه أحمد في المسند عن أبي هريرة حديث (٩٤٥٢) .
(٢) - سورة التوبة الآية (٢٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>