للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن الفضيلة للإنسان أفضل الأوطان, فمن لم يحرص عليها فأحرى به أن لا يحرص على وطن السقوف والجدران. (١)

وطالما تغنى الشعراء بحب الأوطان وحذروا من بيع الأهل والاخوان, وقد جاء في زهر الأدب لأبي إسحاق القيرواني من شعر ابن الرومي قوله:

ولي وطنٌ آليت ألا أبيعَهُ ... وألا أرى غيري له الدهرَ مالكا

وحبَّب أوطانَ الرجالِ إليهمُ ... مآربُ قضَّاها الشبابُ هنالكا

إذا ذكروا أوطانَهُم ذكَّرتهمُ ... عُهودَ الصبا فيها فحنّوا لذلكا (٢)

قلتُ: الظاهر أن من طبيعة الإنسان حب الوطن والحنين إليه وإن لم يكن تضاريسه ومناخه حسن, قال الشاعر:

بلاد ألفناها على كل حالةٍ وقد ... يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن

وتستعذب الأرض التي لا هوا بها ... ولا ماؤها عذب ولكنها وطن

وكلما فارق الإنسان وطنه ازداد شوقه إليه, وحنينه عليه, ويرحم الله شوقي حيث يقول:

وَيا وَطَني لَقَيتُكَ بَعدَ يَأسٍ ... كَأَنّي قَد لَقيتُ بِكَ الشَبابا

وَكُلُّ مُسافِرٍ سَيَئوبُ يَوماً ... إِذا رُزِقَ السَلامَةَ وَالإِيابا

وَلَو أَنّي دُعيتُ لَكُنتَ ديني ... عَلَيهِ أُقابِلُ الحَتمَ المُجابا

أُديرُ إِلَيكَ قَبلَ البَيتِ وَجهي ... إِذا فُهتُ الشَهادَةَ وَالمَتابا

وَقَد سَبَقَت رَكائِبِيَ القَوافي ... مُقَلَّدَةً أَزِمَّتَها طِرابا


(١) - النظرات ج٣ص١٦١.
(٢) - زهر الأدب ج٢ص٦٨٢, الطبعة الأولى, وهذه الأبيات مختارة من قصيدة تبلغ (٢٤) بيتاً وانظر ديوان ابن الرومي.

<<  <  ج: ص:  >  >>