للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصبر، وان يهجر أهل الأذى هجرا جميلا أولئك الذين كانوا يقلون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يقابل إساءتهم بمثلها بل يعفو عنهم فقال جل شأنه: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} (١) . قال الشاعر:

صبراً جميلاً على ما ناب من حدث ... والصبر ينفع أحياناً إذا صبروا

الصبر أفضل شيء تستعين به ... على الزمان إذا ما مسك الضرر

وقد قال الإمام علي رضي الله عنه:

أَلا فَاصبِر عَلى الحَدَثِ الجَليلِ ... وَداوِ جَواكَ بِالصَبرِ الجَميلِ

وَلا تَجزَع وَإِن أُعسِرتَ يَوماً ... فَقَد أَيسَرَت في الزَمَنِ الطَّويلِ

وَلا تَيأَس فَإِنَّ اليَأسَ كُفرٌ ... لَعَلَّ اللَهَ يَغني مِن قَليلِ

وَلا تَظُننْ بِرَبِّكَ غَيرَ خَيرٍ ... فَإِنَّ اللَهَ أَولى بِالجَميلِ

وَإِنَّ العُسرَ يَتبَعُهُ يَسارٌ ... وَقَولُ اللَهِ أَصدَقُ كُلَّ قيلِ

فَلَو أَنَّ العُقولَ تَجُرُّ رِزقاً ... لَكانَ الرِزقُ عِندَ ذَوي العُقولِ

وَكَم مِن مُؤمِنٍ قَد جاعَ يَوماً ... سَيُروى مِن رَحيقٍ سَلسَبيلِ

وفي الأمثال السائرة: "الصبر مفتاح الفرج" (٢) ، وقيل: إن العاقل يتعزى فيما ينزل به من مكروه بأمرين: الأول: بما يبقى له من الأجر، والأخر: رجآء الفرج، والجاهل يجزع فيما ينزل به لأمرين: خوف الشماتة, وضيق الحال، ويخاف التقي لما ينزل به بأمرين: الأول منهما: في مصيبته استكبارُهُ ما أتى به، والأخر: خوف ما هو اشد منه (٣) ، ولهذا فان التقي لا يكون إلا صابرا، وقديم قيل: صبرك عن محام الله أيسر من صبرك على عذاب الله، وفي الأمثال السائرة: صبر ساعة أطول للراحة (٤) ، ويقال لا تلقى العاقل إلا نافياً للهم عن قلبه بأحد أمرين منها: إن كان لما آتى من مكروه مدفعا فاحتال له بعقل، وان لم يكن لما أتاه مدفع كان الحيلة فيه الصبر، وقد نسب إلى بعض الرهبان انه قال: من احتمل المحنه وصبر رضي بتدبير الله وشكر، كشف الله له عن منفعتها حتى يقف على المستور عنه من مصلحتها (٥) ، وقيل للمحن أوقات ولأوقاتها غايات، قال علي بن الجهم:

هِيَ النَفسُ ما حَمَّلتَها تَتَحَمَّلُ ... وَلِلدَّهرِ أَيّامٌ تَجورُ وَتَعدِلُ

وَعاقِبَةُ الصَبرِ الجَميلِ جَميلَةٌ ... وَأَفضَلُ أَخلاقِ الرِجالِ التَفَضُّلُ

وَلا عارَ أَن زالَت عَن الحُرِّ نِعمَةٌ ... وَلكِنَّ عاراً أَن يَزولَ التَجَمُّلُ

ويرحم الله عبد الله بن ثابت حيث يقول:

الصبر من كرم الطبيعة ... والمن مفسدة الصنيعة

والحر امنع جانباً ... من ذروة الجبل المنيعة (٦)

وللإمام علي رضي الله عنه:


(١) - سورة المزمل (١٠) .
(٢) - مجمع الأمثال للميداني ص (٤١٨) .
(٣) - انس المسجون وراحة المحزون ص (٥٢) .
(٤) - مجمع الأمثال للميداني ص (٤١٨) .
(٥) - انس المسجون وراحة المحزون ص (٥١) .
(٦) - عبد الله بن ثابت المقري سكن ببغداد ومات بالرملة سنه ١٣٠٨هـ , وانظر تاريخ بغداد جز (٩) ص (٤٢٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>