للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أخلاق البهائم، بالمجازاة على الإساءة إساءة، ومن جازى بالإساءة إساءة فهو المسيء، وان لم يكن بادئا.

قال هلال بن العلاء البهلولي: جعلت على نفسي منذ أكثر من عشرين سنه أن لا أكافئ أحدا بسوء، وذهبت إلى هذه الأبيات:

لَمّا عَفَوتُ وَلَم أَحقِد عَلى أَحَدٍ ... أَرَحتُ نَفسي مِن هَمِّ العَداواتِ

إِنّي أُحَيّي عَدوّي عِندَ رُؤيَتِهِ ... لأَدفَعَ الشَرَّ عَنّي بِالتَحِيّاتِ

وَأُظهِرُ البِشرَ لِلإِنسانِ أَبغَضُهُ ... كَأنما قَد حَشى قَلبي مَوَدّاتِ (١)

وقديماً قيل: من تمام الكرم أن تذكر الخدمة لك، وتنسى النعمة منك، وتنظر الرغبة إليك، وتتغابى عن الخيانة إليك. من تمام المروءة أن تنسى الحق لك، وتذكر الحق عليك. وتستكبر الإساءة منك، وتستصغر الإساءة إليك. من أحسن المكارم عفو المقتدر، وجود المفتقر (٢) . قال الشاعر يصف كريماً:

كَريمٌ لَه وَجهانِ وَجهٌ لَدى الرِضا ... أَسيلٌ وَوَجهٌ في الكَريهَةِ باسِلُ

وَلَيسَ بِمُعطي العفوِ عَن غَيرِ قُدرَةٍ ... وَيَعفو إِذا ما أَمكَنَنَته المَقاتِلُ (٣)

فما أحوج الناس إلى العفو والتجاوز عن الإساءة والتحلي بالأخلاق الفاضلة، ففي العفو شرف الدنيا والآخرة.

أما ابن أبي حصينه فهو يرى أن في العفو عن الحر تأديباً له فيقول:

لَكَ الخَيرُ إِن يُجرِم رَعاياكَ فاغتَفر ... جَرائِمَهُم إِنَّ المُدَبَّرَ مَربُوبُ


(١) - روضة العقلاء ص (١٣٣) . وتنسب هذه الأبيات للإمام الشافعي رحمه الله, كما سبق.
(٢) - الفرائد والقلائد ص (٤٠) .
(٣) - ديوان إبراهيم بن هرمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>