للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يتعامل مع الناس الا بالصدق والامانة, وان يجعل أعماله متصفة بالحكمة, ويحرص ان يكون حكيما في عمله حكيما في صنعته حكيما في وظيفته, حكيما في تعليمه حكيما في ادارته حكيما في اخلاقه حكيما في اهله ومجتمعه وادارة شؤنه, يتنزه عن ظلم غيره ويترفع عن فعل مالا ينبغي, فالحكيم من الناس هو من يتحلى بالاخلاق الفاضله ويتخلق باخلاق الله الحكيم الذي علّم الحكمة, وكانت شريعته واوامره ونواهيه التي يجب ان يلتزم بها الانسان جارية على الحكمة, فالحكيم الذي يفعل ماينبغي, بالقدر الذي ينبغي, وفي الوقت الذي ينبغي, وبالمكان الذي ينبغي, اخذا بما علَّمه الله, ومستقيما كما يحب الله فهذا هو الحكيم, الحكيم الذي يتقي الله, ويسعى إلى نفع الناس ابتغاء ثواب الله, والحكيم الذي يغض بصره ويحفظ فرجه وفضول كلامه ويؤدي الفرائض والواجبات التي فرضها الله, فأنت اخي حين تطبق امر الله تكون حكيما وحينما تتبع نهج محمد صلى الله عليه وآله وسلم تكون حكيما, وأنت أخي بالحكمة يمكن ان تكون اسعد الناس, فلو ان الله اعطاك مالاً ولم تكن حكيما فيه, متبعا لمنهج العدل الذي اراده الله وكنت مبذرا فيه فستكون سفيها, مع انه في الامكان ان تكون اسعد الناس بدخل قليل اذا اتبعت منهج الملك الجليل, ولكنك بالحمق والمخالفة لاوامر الله يمكن ان تشقى بالدخل الكثير لانفاقك المال بالاسراف والتبذير فيما يغضب الملك الجليل, ولو اعطاك الله الصحة, ولم تحافظ على هذه النعمة, وتستغلها فيما يعود عليك من الخير في طاعة الله, واستهلكت هذه الصحة في سفاسف الأمور لم تكن حكيما, فأي شيئ اعطيته ولم تستعمل فيه الحكمة فانك لم تكن حكيما, وسوف يكون حسرة عليك يوم القيامة, وانظر إلى فرعون وقارون فإن المال والجاه لم ينفعهما مع البغي والاستبداد, لأنهما أعرضا عن الحكمة في امر الله ونهيه, وتدبر معي اخي قول العزيز الحكيم: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} (١) وانظر اخي فضل الله عليك, واحسانه اليك, فإن تفضل الله عليك بالحكمة والعلم فهذا العطاء من نوع ما أعطى الانبياء, فاحمد الله, وان اعطاك مالا فقل الحمد لله, وان زادك صحة فاحمد لله, وان زادك قوة فاحمد لله, وان اعطاك سلطانا وجاها فاحمد لله, وان اعطاك صحة وأولادا فقل الحمد لله مقتديا بخليل الله ابراهيم عليه السلام الذي حكا الله عنه في لقرآن الحكيم حمده للرب الكريم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} (٢) , وعليك ان تضع الامور في نصابها وتستشير أهل الفضل والصلاح, فالأصل ان يكون المؤمن حكيما, يستعمل الحكمة ويطلب من الله المزيد والرحمة قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (٣) وقال تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (٤) وصلوات الله وسلامه على عبده ونبيه ورسوله ابراهيم فقد نادى الرب الكريم: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (٥) فاستجاب له العزيز الحكيم,


(١) - سورة الانفطار الايات (٦-٨) .
(٢) - سورة ابراهيم الاية (٣٩) .
(٣) - سورة آل عمران الايات (١٦٤) .
(٤) - سورة البقرة الايات (٢٦٩) .
(٥) - سورة البقرة الايات (١٢٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>