ان من افضل الزاد في المعاد اعتقاد المحامد الباقية, والسابقة لاكتساب الاخلاق العالية, فمن لزم الايثار ولزم معالى الاخلاق انتج له سلوكها فراخا تطير بالسرور, فما ضاع عمل ورث صاحبه مجدا, وقديما قيل" لولا المتفضلون مات المتجملون", فالمرء لايستحق اسم الايثار والكرم بالكف عن الاذى للناس وان كان محمودا الا ان يقرنه بالاحسان اليهم, والايثار لهم, فمن كثر في الخير رغبته, وحسن نيته وعمله, خلد الله ذكره, واجزل له الثواب, ومن كان عيشه وحده ولم يعش بعيشه غيره في جاه ولا مال فهو وان طال عمره قليل العمر سيء الذكر, والبائس من طال عمره في غير الخير, ومن لم يتاس بغيره في الخير كان عاجزا, كما ان من استحسن من نفسه ما يستقبحه من غيره كان كالغاش لمن تجب عليه نصيحته, ومن لم يكن همه الا الاثرة والاستبداد في نفسه وجاهه وماله وسلطانه, وكان كل همه بطنه وفرجه في هذه الدنيا عُد من البهائم, وقد قال سيد قطب في تفسير قوله تعالى:{بل تؤثرون الحياة الدنيا* والآخرة خير وأبقى} إن إيثار الحياة الدنيا هو أساس كل بلوى. فعن هذا الإيثار ينشؤ الإعراض عن الذكرى؛ لأنها تقتضيهم أن يحسبوا حساب الآخرة ويؤثروها. وهم يريدون الدنيا، ويؤثرونها. . وتسميتها {الدنيا} لا تجيء مصادفة. فهي الواطية الهابطة إلى جانب أنها الدانية: العاجلة: {والآخرة خير وأبقى} . . خير في نوعها، وأبقى في أمدها. وفي ظل هذه الحقيقة يبدو إيثار الدنيا على الآخرة حماقة وسوء تقدير. لا يقدم عليهما عاقل بصير (١) .