للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مراقيها، ثم قال للناس شأنكم فاصعدوا" (١).

وأعظم مثال على دقة أسلوبه في الكتاب: "الأيمان". يقول الأمام السرخسي رحمه الله: "من أراد امتحان المتبحرين في الفقه، فعليه بأيمان الجامع". (٢) وذلك دأبه في "أيمان الزيادات" أيضًا من حيث تضلعه ورسوخه التام في الفقه والأصول وقواعد اللغة.

ولصعوبة مسائل الزيادت أشار إليه الناظم يصفه في تلك الأبيات:

إن الزيادات زاد الله رونقها … عقم مسائلها من أصعب الكتب

أصولها كالعذارى قط ما اقترعت … فروعهن يد في العجم والعرب

ينال قارئها في العلم منزلة … يغيب إدراكها عن أعين الشهب (٣)

وهو يمثّل الفروع الفقهية بدون توجيه أو تعليق للمسائل، ولكن القارئ الملم بالفقه يدرك ذلك بالنظر في ثنايا المسائل، لأنها لم تدون إلا بعد المداولة واقتناع كل بما يذهب إليه، بناء على الدليل، فإنها خلاصة الجهود وثمرتها.

وأسلوبه في الكتاب لا يخلو عما يسمى بالفقه التقديري، ويقصد به الفتوى في مسائل لم تقع ويفرض وقوعها وكان هذا المنهج متبعا في زمنه لتدوين المسائل بإيراد الصور مفروضة الوقوع لا واقعة نازلة وتفريع الصورة من الصورة، والاجتهاد في تقرير الحكم الشرعي المنطبق على كل صورة من تلك الصور المفروضة المتسلسلة على النحو الذي تؤلف عليه القوانين الآن، وقد أعطى التدوين الفقهي صورة جديدة من البسط تتمثل في استيعاب المسائل بطريقة افتراض، بعد أن كان يقتصر فيها على النوازل الواقعة.

"وقد كثر هذا النوع من الفقه لدى الفقهاء، لأنهم يحاولون بذلك استخراج العلل


(١) الذهبي، مناقب أبي حنيفة وصاحبيه ص ٨٩ - ٩٠.
(٢) شرح السير الكبير ١/ ٢٥٢.
(٣) انظر مقدمة "شرح زيادات الزيادات" ص ٨، طبع لجنة إحياء المعارف النعمانية بحيدرآباد.

<<  <  ج: ص:  >  >>