للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسأله أبو حنيفة عن مسألة كانت أكبر من مستوى سِنّه وثقافته بدليل أن أبا حنيفة قال له: أأخذتَ هذه المسألة من غيرك أم أنشأتها من نفسك؟ فقال محمد: من عندي، فقال أبو حنيفة: "سألت سؤال الرجال، أدِم الاختلاف إلينا وإلى الحلقة" (١).

وأخذ محمد بعد هذا يديم الاختلاف إلى حلقة أبي حنيفة، وكانت طريقة هذا الإمام في تعليم تلاميذه تقوم على منهج يربّي ملكةَ البحث والتفكير والمناظرة، فهو لايلقي آراءه إلقاءً، ولكنه كان يشير المسائل، ثم يشرك تلاميذه في تمحصيها ومناقشتها، ولا يسمح بتدوينها إلا بعد الاتفاق على رأي فيها، وفي هذا الجو العلمي المثمر كانت مواهب محمد الشيباني تتجلى كل يوم.

[مشايخه في الفقه والحديث]

تبين مما سبق أن الإمام محمد الشيباني بدأ حياته الفقهية بحضور حلقات الإمام أبي حنيفة، وبعد وفاته تفقّه بأبي يوسف، ثم رحل إلى الإمام مالك وسمع منه الموطأ، فهؤلاء الأئمة الثلاثة هم أبرز أساتذة الإمام محمد، ثم كثر مشايخه وتنوعت ثقافته، وسمع منهم سماعا كثيرا (٢)، أذكر بإيجاز فيما يلي بعض شيوخه الذين لهم أكبر الأثر في تدوين شخصية محمد العلمية، لتتبين مصادر تلقي العلم للإمام محمد.

١ - الإمام أبو حنيفة (١٥٠ هـ): هو "الإمام العَلَم" (٣)؛ "فقيه الملة" (٤) النعمان بن ثابت بن زَوْطي، الكوفي، مولى بني تَيم بن ثعلبة.

وُلد في زمن جماعة كثيرة من الصحابة رضي الله عنهم (٥)، ورأى أنس بن مالك غير


(١) "مناقب الإمام الأعظم" ٢/ ١٥٥، "بلوغ الأماني" ص ٦.
(٢) "الأنساب" للسمعاني، ٧/ ٤٣٣.
(٣) "تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام"، للذهبي، ١٤١ - ١٦٠ هـ، ص ٣٠٥.
(٤) "سير أعلام النبلاء" ٦/ ٣٩٠، ودول الإسلام ١١/ ١٠٣.
(٥) "عقود الجمان في مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان" لمحمد بن يوسف الصالحي الشافعي، ص ١٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>