للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب من الوصايا التي تتغيّر عما أوصى بها

بني الباب على أن الرجوع عن الوصية صحيح (١)، لأنها تبرّع مضاف إلى ما بعد الموت، والتبرّع النافذ يحتمل الرجوع، فالمضاف أولي.

ثم الرجوع كما يكون بالصريح، يكون بطريق الضرورة، وبطريق الدلالة.

أما الصريح: فظاهر (٢)، والضرورة: أن يتغيّر قبل موت الموصي، فيزول اسمه (٣)، كما لو أوصى بحنطة، فهبّت بها الريح، وألقتها في طاحونة، فصارت دقيقا ونحو ذلك؛ لأن حكم الوصية تثبت عند الموت بالإيجاب السابق، والإيجاب وقع في مسمّى باسم،


(١) الوصية عقد غير لازم في حق الموصي حتى يملك الرجوع ما دام حيا؛ لأن الموجود قبل موته مجرد إيجاب، وأنه محتمل الرجوع في عقد المعارضة، ففي التبرع أولى، كما في الهبة والصدقة ولأنه عقد لا يثبت حكمه إلا بعد موت الموصي، فلا يترتّب على الإيجاب أي حق للموصي له قبل ذلك، فيكون بالخيار بين الإمضاء والرجوع "بدائع الصنائع" ٧/ ٣٧٨ و ٣٩٤.
(٢) هو أن يقول الموصي: "رجعت"، أو "أبطلت الوصية التي أوصيته لفلان" أو فسختها أو نقضتها "بدائع الصنائع" ٧/ ٣٩٤.
(٣) أجاد الكاساني في تنقيح هذا النوع، فذكر أن الرجوع الثابت من طريق الضرورة نوعان، أحدهما: أن يتصل بالعين الموصى به زيادة لا يمكن تسليم العين بدونها، كما إذا أوصى بسويق ثم خلطه بالسمن، لأن الموصي به اتصل بما ليس بموصى به، بحيث لا يمكن تسليمه بدونه، لتعذر التمييز بينهما، فثبت الرجوع ضرورة، والثاني: أن يتغيّر الموصى به، بحيث يزول معناه واسمه، سواء أكان التغيير إلى الزيادة أو إلى النقصان. "بدائع الصنائع" ٧/ ٣٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>