للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنها "بمسلك التأصيل":

وهو استخلاص القواعد العامة التي كان يلتزمها الأئمة من الفروع المأثورة عنهم، وانتزاع العلل القياسية والضوابط الفقهية التي تضبط الفروع، ووضعها في فواتح الأبواب بعد التعديل والنظر في صياغتها عند الضرورة، ثم التفريع عليها.

ولا شك أن هذا المسلك يقرّب المسائل إلى الأذهان ويثرى عقلية الباحث ويروّض فكره، ويربّي ملكته الفقهية المؤهلة للاستدلال والترجيح، القادرة على تفريع المسائل من القواعد العامة، وبذلك يتمكن القاضي والمفتي على حل القضايا والمسائل المعروضة عليهم مما سكتت عنه النصوص الفقهية، فيرد الجديد من الحوادث الطارئة إلى ما ثبت لديه من الأصول.

ورسالة الإمام الكرخي في الأصول، وكتاب "تأسيس النظر" للدبوسي، وكتاب "القواعد" للمَقّري، وإن كان يتمثل فيها هذا المنهج إلا أن معظم شراح "الجامع الكبير" كانوا الروّاد الأوائل الذين نَحوا منحى التأصيل، ومهدوا هذا المسلك، منهم الإمام الجصاص الرازي (٣٧٠ هـ) وأحمد بن منصور الإسبيجابي (٤٨٠ هـ) والإمام خواهر زاده (٤٨٣ هـ) وصدر الشهيد برهان الدين بن مازه (٥٣٦ هـ) وأبو الفضل الكرماني (٥٤٣ هـ)، وعلاء الدين الأسمندي السمرقندي (٥٥٢ هـ)، والإمام العتابي (٥٨٦ هـ) والإمام الحصيري وغيرهم، مع اختلاف مناهجهم وتفاوتهم في العرض والأسلوب (١).

سلك الإمام قاضي خان في فتاواه "مسلك التعليل"، وفي شرحه للزيادات سلك "مسلك التأصيل" حيث التزم في جميع مستهل الأبواب من بداية الكتاب إلى نهايته، بوضع تمهيد وتقدمة للباب التي تشتمل على بيان القواعد العامة والضوابط الفقهية المقصورة


(١) يرجع للتفصيل "القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير شرح الجامع الكبير" للحَصيري، للدكتور علي أحمد الندوي ص ١٣٨ - ١٧٢، (وأصل هذا الكتاب رسالة الدكتوراة قدمها المؤلف إلى جامعة أم القرى مكة المكرمة)، وفيما أعلم أن المؤلف أول من أبرز هذه الظاهرة المتميزة عند الفقهاء الحنفية، وأوضح معالمها وكشَف عن جوانبها مفصلا، مع ضرب الأمثلة من مصادر فقهية خطّية، مستهلا من شروح الجامع الكبير، ومنتهيا إلى "شرح الزيادات" لقاضي خان.

<<  <  ج: ص:  >  >>