للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم استشهد بمسئلة مبتدأة، وهى مسئلة الغصب فقال: إذا مات المغصوب في يد الغاصب، فأقر الغاصب أنه كان اغتصبه من فلان، كان عليه قيمته للمقر له (١)، فإن أقام رجل آخر البينة أن المغصوب عبده اغتصبه منه، يقضى بالقيمة لصاحب البينة (٢)؛ لأن البينة حجة متعدية، ولأنه ما أقر على نفسه إلا بقيمة واحدة، وقد استحقت، فلو أن المقضى له وهب القيمة للغاصب قبل القبض، أو أخذ القيمة، ثم وهب عين المأخوذ للغاصب، أو مات المقضى له، فورثها الغاصب، أو ورث مثلها من ماله، أو أوصى له بتلك القيمة، أو بمثلها، كان للمقر له أن يأخذها، أو مثلها من الغاصب؛ لأن في زعم الغاصب أن القيمة كانت للمقر له، وأن المقضى له كان ظالما، فإذا عادت إليه أمر بتسليمها إليه، كمن أقر لغيره بمال لا يملكه، ثم ملكه.

ولو وهب المقضى له للغاصب ألفا أخرى سوى المقبوض، سلم للغاصب، ولا سبيل للمقر له عليه؛ لأن الغاصب وإن زعم أن المقضى له كان ظالما، وأن ما قبض منه صار دينا عليه، لكن المديون لو وهب لصاحب الدين شيئا، سلم ذلك له بالهبة، لا بطريق قضاء الدين.

فرق بين هذا وبينما لو مات المقضى له، فورث الغاصب منه ألفا أخرى غير المقبوض، كان للمقر أن يأخذها؛ لأن في فصل الموت يزعم الغاصب أن ما أخذ كان دينا عليه، والدين مقدم على الميراث، فما وصل إليه يجعل واصلا بجهة الدين بدلا عن المأخوذ، ووصول البدل إليه كوصول عينه، فكان للمقر له أن يأخذ.


(١) "مجلة الأحكام العدلية" ص ١٧٢.
(٢) الجوهرة النيّرة ١/ ٤٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>