للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقائع ونوازل، وكانوا يعتمدون في كل ذلك على كتاب الله تعالى ويستهدون بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وفتاويه التي حفظوها عنه.

ثم جاء دور التابعين، فازدهر الفقه بمزيد من الأحكام والفتاوى التي صدرت عن تلاميذ الصحابة من التابعين، وازداد نشاطا في دور الفقهاء والأئمة المجتهدين، وتوسّعت دائرة الفقه والاحتهاد في ضوء الكتاب والسنة، وتشعّبت الفروع بشكل مدهش سدا لمتطلبات العصر.

وإن من سِمات الشريعة الإسلامية أن الله تعالى تكفّل بحفظها، ومِن حِفظِه لها أنه جعل العلماءَ ورثَةَ الأنبياء الذين لم يرثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، وجعل التفقّهَ في أمور الدين خيرا وأعظم قُربة. ولقد أدرك سلفنا الصالح هذا الفضل العظيم فشعروا بالمسئولية، ونذروا أنفسهم وأوقاتهم وكافة وسائلهم في سبيل العلم والتعلم، وحرصوا على حفظ علوم الدين بأساليب ونظم شتى من القضاء والإفتاء، والكتابة والإملاء، والتسجيل والتدوين، حتى تكوّنت للأمّة الإسلامية ثروة علميّة هائلة في كافّة مجالات علوم الدين.

وطالب العلم إذا أجال بصرَه فيما خلفة الأوائل من هذا، الكنوز العلمية الضخمة، التي لا تزال حبيسة في خزائن المخطوطات، دون أن يستفاد منها، أدرك عظم المسئولية الملقاة على عاتقه، فجدير بكل طالب علم أن يطلع على هذا التراث العظيم المتمثل في ذلك الكمّ الهائل، ليرى قدر جهد المبذول فيها مع عدم توفر إمكانات الطباعة وقلة الوسائل في تلك العصور؛ لكي يحسّ بأهمية إبراز هذه الكنوز الدفينة إلى حيّز الوجود بعد إخراجها من الأدراج التي يعلوها الغبار وقاية من التلف والتآكل.

هكذا ترى أعظم ثروة علمية تناقلتها الشفاه، وتوارثتها الأجيال، وسجّلتها الأقلام في الإسلام هي الثروة الفقهية، لأنها تشكّل منهاجا يهيمن علي أفعال المكلفين، ويبيّن ما يتحتّم عليهم من دقيق وجليل.

وإن تحقيق كتب التراث - مع ما فيه من العناء - عمل ممتع ومفيد، مفيد للباحث نفسه حيث يساعد على تنمية قدراته العلمية، ويزيد في حصيلته الفقهية ويعوّده على ضبط

<<  <  ج: ص:  >  >>