للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

درهم، فقد شهد كل واحد منهما بالعتق على صاحبه.

قال محمد رحمه الله: البادئ باليمين هو البادئ بدعوى العتق؛ لأن كل حالف (١) يدّعي البرَّ في يمينه، والحنثَ على الحالف الآخر، فكان كل واحد منها مدعيا مكذبا صاحبه، فالحالف الأول مكذبٌ صاحبه قبل تكذيب الثاني الأول، فيكون الفساد مضافا إلى البادئ باليمين.

طعن عيسى (٢) رحمه الله، وقال: هذا غلط، بل البادئ منهما باليمين (٣)، هو المتأخر في دعوى العتق؛ لأنهما لما اختلفا، وتناكرا، ثم حلف أحدهما، فقد كذبه الآخر في يمينه بالإنكار السابق، وصار شاهدا على صاحبه بالإعتاق، والحنث في يمينه.

أما البادئ لا يتصور أن يكون شاهدا على صاحبه بالحنث قبل اليمين، فلا يكون شاهدا عليه بالإعتاق، إلا بعد اليمين (٤).

فالجواب: إنما نحتاج إلى معرفة البادئ بدعوى العتق، لنضيف الفساد إليه، ونبني حكما شرعيا، فيبطل الخيار، أو يثبت، وكل واحد منهما بعد التناكر، جعل منكرا بناءً على استصحاب الحال، والثابت باستصحاب الحال (٥) لا يصلح حجةً لأمر لم يكن (٦).


(١) وفي (ا) و (ب) "كل واحد".
(٢) هو الإمام عيسى بن أبان بن صدقة، القاضي، أبو موسى، وتقدم ترجمته في ص ٤٠٩.
(٣) وفي (ا) و (ب) "باليمين منهما".
(٤) "إلا بعد اليمين" ساقط من (ا) و (ب).
(٥) "الاستصحاب" في اللغة: استفعال من الصحبة، قال ابن فارس: الصاد والحاء والباء أصل واحد يدل على مقارنة شيء ومقاربته، وكل شيء لازَمَ شيئا فقد استصحبه، فيكون معنى الاستصحاب في اللغة الملازمة وعدم المفارقة. "معجم مقاييس اللغة"، مادة "صحب".
= والاستصحاب عند الفقهاء: "لزوم حكم دل الشرع على ثبوته ودوامه". وعرفه الجرجاني بأنه: "عبارة عن إبقاء ما كان على ما كان عليه، لانعدام المغير، وهو الحكم الذي يثبت في الزمان الثاني بناء على الزمان الأول، وهو أصل من أصول الشريعة تدور عليه مسائل وفروع، وتصدى الفقهاء والأصوليون لبيانه في كتب الأصول والقواعد الفقهية. انظر "الكليات" لأبي البقاء، ص ١٠٦، "درر الحكام شرح مجلة الأحكام"١/ ٢١. "شرح المجلة" لخالد الأتاسي ١/ ٢٠، "التعريفات" للجرجاني ص ٣٤.
(٦) عبّر الإمام الحَصيري هذه القاعدة بقوله: "الثابت بالظاهر لا يعتبر لإثبات ما لم يكن"، "التحرير شرح الجامع الكبير"، للحصيري، مخطط، ورق ٦/ ٧٨٢. وانظر "القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير" ص ٤٨٥.
وذكرها الإمام السرخسي في المبسوط بوضوح أكثر، فقال: استصحاب الحال معتبر في إبقاء ما كان على ما كان، وهو غير معتبر في إثبات ما لم يكن. انظر "المبسوط" ١١/ ٢٤، ٤٦، "درر الحكام شرح مجلة الأحكام" ١/ ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>