لهما، لا تسمع دعواهما؛ لأن شهادتهما بالبيع إقرار بملك البائع، وإقرار على أنّ البائع كان بسبيل من البيع، فكانا متناقضين في دعواهما.
فإن قيل: كيف يقضي القاضي بهذه الشهادة وقد قالا: لا ندري أهو للبائع أم لا؟
قلنا: لما شهدا بالبيع، فقد شهدا ببيع صحيح من حيث الظاهر، وبما هو سبب الملك للمشتري، فجاز القضاء بها. فإن استحقه رجل آخر، ثم وصل إلى الشاهدين بسبب من الأسباب، لم يكن للبائع ولا للمشتري سبيل عليهما، لأنهما شهدا بالبيع نصا، وما صرّحا بالملك للبائع والمشتري، فلو ثبت ذلك إنما يثبت في ضمن البيع.
فإذا بطل البيع بقضاء القاضي للمستحق، بطل ما في ضمنه، ولما ذكرنا أن الظاهر لا يصلح حجة للاستحقاق. ولو بيّنا للقاضي يوم شهدا أن الطيلسان لنا، أو لأبينا، أو لفلان، وقد باعه هذا الذي في يده من هذا المدّعي، جاز القضاء لأن الشهادة بالملك المطلق تنصرف إلى الصّحيح.
وقولهما:"هو لنا"، كلام منفصل عن الشهادة غير محتاج إليه، لا يثبت بمجرد دعواهما، فلا يمنع قبول الشهادة، فإن أقاما بعد ذلك بينة (١) أنه لهما، أو لأبيهما، أو لفلان، وقد وكّلهما فلان بالخصومة، صحّ، لأنهما ادّعيا شيئًا قد ادّعياه أوّلا عند الشهادة، فانعدم التناقض.
ولو لم يشهدا بشيء عند القاضي، ولكنهما قالا للقاضي أوّلا: إن فلانا باع هذا الطيلسان من فلان، ثم ادّعياه لأنفسهما، أو ميراثا عن أبيهما، صحّ، لأن مجرد القول
(١) وجاء في (ج) و (د): "فإن أقاما البينة بعد ذلك".