للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن تباين الدارين مُفَوِّتٌ لمقاصد النكاح؛ لأنه مع اختلاف الدار لا يتمكن الزوجان من الانتفاع بالنكاح عادةً، فلم يكن لبقائه فائدة فيزول؛ إذ يكون الزوجان بحال يتعذر معها انتظام التعاون المنشود، كالمسلم إذا ارتدَّ عن الإسلام، ولحق بدار الحرب، فإنه يزول ملكه عن أمواله، وتعتق أمهات أولاده، فكذلك إذا اختلفت الدار بين الزوجين، زالت الفائدة من النكاح (١).

الوجه الثاني:

ولأن أهل دار الحرب كالموتى في حق أهل دار الإسلام؛ ولهذا لو التحق بهم المرتد جَرَتْ عليه أحكام الموتى، فكما لا تتحقق عصمة النكاح بين الحي والميت، فكذلك لا تتحقق عند تباين الدارين حقيقةً وحكمًا (٢).

الوجه الثالث:

ولأن الدار اختلفت بين الزوجين حقيقةً وحكمًا، فوجب أن تقع الفرقة بينهما، كالحربية إذا دخلت دار الإسلام بأمان، ثم أسلمت، فإن الفرقة تقع بينها وبين زوجها الذي في دار الحرب في الحال (٣).

الوجه الرابع:

ولأن اختلاف الدارين يؤثر في انقطاع العصمة، كما يؤثر في المنع من الميراث، ألا ترى أن الذمي لو مات في دار الإسلام وخلَّفَ مالًا وله ورثة من أهل الحرب في دار الحرب، لم يستحقوا من إرثه شيئًا، وجُعِلَ مالُهُ في بيت المال؛ لاختلاف الدارين، ولو كان ورثته ذميين في دار الإسلام لكانوا هم أحقَّ بتركتِهِ من جماعة المسلمين؛ لأنه لم تختلف الدار بينهم؛ لأن الجميع من أهل دار الإسلام (٤).


(١) المبسوط، للسرخسي، (٥/ ٥١).
(٢) بدائع الصنائع، للكاساني، (٢/ ٣٣٨).
(٣) أحكام القرآن، للجصاص، (٥/ ٣٣٠ - ٣٣١).
(٤) أحكام أهل الذمة، لابن القيم، (٢/ ٧٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>