للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت مع زوجها في مكة لم يكن حكمُ التفريق بسبب اختلاف الدِّينِ قد نزل، وعندما نزل هذا الحكم كانت مفارِقةً لزوجها، وإن بقي العقدُ معلَّقًا موقوفًا، وإذا كانت رواية ابن إسحاق عن أَسْرِ أبي العاص وإجارَتهِ من قِبَلِ زوجَتِهِ زينبَ، وقبولِ رسولِ الله هذا الجوارَ، وقولِهِ لها: "أي بُنَيَّةُ، أكرمي مثواهُ، ولا يخلصَنَّ إليكِ، فإنك لا تَحِلِّينَ له". رواية ضعيفة وفق تحقيق الشيخ الجديع، إلَّا أنها هنا لم تنشئ حكمًا جديدًا حتى نحتاج إلى توثيقها، بل هي تأكيد للحكم الثابت بالنص: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: ١٠]؛ ولأنه حتى ولو لم تَرِدْ هذه الروايةُ أصلًا فإن مفارقةَ زينب لزوجها بعد بدر وانقطاعَ الحياة الزوجية بينهما فعلًا ونزول آيتي البقرة والمتحنة قبل ذلك يجعلُ التفريقَ بين زينب وأبي العاص أمرًا ظاهرًا، وإن لم يتمَّ بعد فسخ العقد نهائيًّا، وعلى من يريد القول بأن جوارَ زينبَ لأبي العاص وإطلاقَ أَسْرِهِ أدَّى إلى عودة العلاقة الزوجية بينهما أثناءَ وجوده في المدينة وهو على كفرِهِ- أن يثبت ذلك؛ لأنه ادِّعاء خلاف الظاهر، والصحيح أنه لم تَرِدْ أية روايةٍ -ولو ضعيفة- تتحدث عن هذا الأمر، فتبقى رواية: لا يخلصَنَّ إليكِ؛ فإنكِ لا تَحِلِّينَ له، مقبولةً، ولو كانت ضعيفة؛ لأنها متوافقة مع النصوص، ومع الواقع، وهي لم تشرع حكمًا جديدًا، ولكنها تأكيد لحكم ثابت.

إن قصة زينب تؤكد -إذًا- أن اختلاف الدِّين فَرَّقَ بينها وبين زوجِهَا، ولو حصل ذلك بعد سنواتٍ طويلةٍ من حياتهما المشتركة، ويزيد ذلك تأكيدًا ما ثبت من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رَدَّ زينب إلى زوجها أبي العاص بعد إسلامه بالنكاح الأول، فلماذا الرَّدُّ إذا لم تكنِ الفُرْقَةُ حاصلةً؟

٣ - ليس مقبولًا القولُ بأن العمل استمرَّ بعد الهجرة على أن اختلاف الدِّين لم يكن يُفَرِّقُ بين المرأة وزوجها، استدلالًا بالقصتين السابقتين، وقد بيَّنَا أن أُمَّ لبابة

<<  <  ج: ص:  >  >>