للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع المقصد والمعنى، وكان الآخرون مع النص والمبنى، ولم يكن أحد الفريقين ينقصه

الهدى أو التقى، ولكنه الاجتهاد البشري الذي قد يراعي جانبًا أكثر من جانب،

والشاهد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما خطَّأ أحد الفريقين، ولا ثرَّب على أحد من المجتهدين.

وينبغي لمن يتصدى لبحث مسائل الأقليات أن ينظر إلى اجتهادات النبي - صلى الله عليه وسلم - المكية

زمن القلة والضعف، كما قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ} [الأنفال: ٢٦]، وكيف اعتمد - صلى الله عليه وسلم - سياسة الصبر والكف، ولم

يستجب لاستفزاز أو استعداء خارجي، كما قال له -تعالى شأنه-: {وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: ٦٠]؛ وذلك لحفظ شأن هذه الأقلية، ورعاية أمر هذه الدعوة الإسلامية، فلما قويت الشوكة وبُنيت الدولة كانت الاجتهادات على وفق ذلك، فلئن صبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وكفَّ هو وأصحابه أيديهم لما قُتلت سمية وياسر -رضي الله عنهما- في مكة تحت التعذيب، فإنه لم يصبر على مجرَّد كشف عورة مسلمة في سوق بني قينقاع، فجرَّد لذلك الأمرِ حربًا على يهود، حتى أجلى بني قينقاع عن المدينة.

وهو أمرٌ يؤكد على رعاية الأولويات في فقه الأقليات، والنظر إلى المقاصد والمصالح والمآلات (١).

وإعمال تلك القواعد والأصول الحاكمة يكون باعتمادها إطارًا لمعالجة الوقائع والنوازل التي يحتاج في معالجتها إلى ورع دقيق، وفقه عميق، وفطنة وملكة صحيحة.

ونوازل الأقليات المسلمة وما تواجَهُ به من تأصيل لأحكامها وتقعيد لمسائلها ينبغي أن يُراعَى فيه الفروق بين الضرورة الفردية، والضرورة الجماعية العامة، فالأولى مؤقتة، والثانية دائمة.

والأولى قد تَتحقق بسهولة، ويُتَعَرَّفُ على وجودها بيسر، والثانية لا تتحقق إلا بعد


(١) الضوابط المنهجية لفقه الأقليات المسلمة، د. صلاح سلطان، (ص ٣٣ - ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>