ومروءته؛ فإنه يُسْتَخَفُّ في الأولى، ما لا يُسْتَخَفُّ في الثانية.
والنوع الأول هو لحفظ مصالحَ جماعيةٍ تتحقق بامتثال الأمة في مجملها، والثاني لحفظ مصالحَ تتعلق بامتثال آحاد الناس.
ومثال الأول: النهي عن بيع الطعام قبل قبضه على تعليل الرهون لذلك برواج السلع في الأسواق.
ومثال الثاني: وجوب الصلاة، والزكاة، والصوم، وسائر العبادات، والنهي عن السرقة، والغش، وسائر المحرمات، التي تناقض ما يلزم للنفس من التزكية، والاستقامة.
وكلا النوعين مطلوب امتثالًا؛ لكن النظام العام للمجتمعات الأوروبية رُسمت قوانينه على نظر آخر للصلاح والفساد؛ ولذلك فتفويت المسلم للنوع الأول في هذه المجتمعات، هو أقلُّ ضررًا من تفويت النوع الثاني؛ ولذلك ينبغي أن تكون درجات المصالح بإزاء الترخص متفاوتة (١).
"ومما يُسهم في ترشيد فقه الأقليات: التركيزُ على الأقلية باعتبارهم جماعةً متميزةً، لها هويتها وأهدافها ومشخصاتها، ولا يمكنها أن يُتغافل عنها، وينبغي لأهل الفقه أن ينظروا إلى هذا الكيان الجماعي، وما يتطلبه من مقومات، وما له من ضرورات وحاجات، وكيف تستطيع الجماعة أن تعيش بإسلامها في مجتمع غير مسلم، قويةً متماسكةً، مؤمنةً بالتنوع في إطار الوحدة.
وقد لاحظتُ أن أهل الفقه -عادةً- حينما يتحدثون عن الضرورات التي تبيح المحظورات، وعن الحاجة التي قد تُنَزَّل منزلةَ الضرورة، إنما يُركزون على ضرورة الفرد المسلم وحاجته، غيرَ معنيين كثيرًا بضرورات الجماعة المسلمة وحاجاتها.
وأعتقد أن من المهم واللازم للفقيه -لتكون فتواه عن بينة- أن يهتم بالجماعة وضروراتها وحاجاتها المادية والمعنوية، الآنية والمستقبلة، وألا يُغْفِلَ تأثيرَ هذه
(١) منطلقات لفقه الأقليات، أ. العربي البشري، (ص ٢٤١).