والفقه الإسلامي يبارك هذه النزعة الجماعية بأحكام كثيرة، بعضها يتعلق بالجانب الاجتماعي، وبعضها يتعلق بالجانب الاقتصادي، وبعضها بالجانب السياسي.
وحسبنا أنه يُقدم حق الجماعة على حقوق الأفراد الخاصة، فعندما يغزو العدو أرضًا، تنفر الجماعة كلها للمقاومة، فيخرج الابن بغير إذن أبويه، وتخرج المرأة بغير إذن زوجها، والمرءوس بغير إذن رئيسه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا حق لفرد أمام حرمات الأمة.
ويذكر الإمام الغزالي هنا مسألة (التترس) وهو أن يَتَّخِذَ العدوُّ المحاربُ بعضَ المسلمين تروسًا بشرية يَحتمي بهم، ويضعهم في مواجهة الخطر، ويجيز الإمام الغزالي وغيرُهُ من الفقهاء التضحيةَ بهؤلاء المُتَتَرَّسِ بهم، إذا كان في الإبقاء عليهم خطرٌ على الجماعة كلِّها؛ لأنَّ الإبقاء على الكل أهم من الإبقاء على الجزء.
ومن ثَمَّ كان لا بد للفقه المطلوب هنا: أن يراعي مصالح الجماعة المسلمة، ولا يجعل كلَّ همه الاقتصارَ على حفظ مصالح الأفراد، فالفرد قليل بنفسه كثير بجماعته.
ومن حقِّ الجماعة المسلمة في ديار الغرب ونحوها: أن تكون جماعة قوية متعلمة متماسكة قادرة على أن تؤدي دورها، وتتمسك بدينها، وتحافظ على هويتها، وتُنَشِّئَ أبناءَها وبناتها تنشئةً إسلامية حقَّةً، وتبلغ رسالتها من حولها بلسان عصرها" (١).
ومما يلتحق برعاية الضرورات والحاجات في بلاد الأقليات المسلمة: الاعترافُ بحالات استثنائية، وظروف طارئة وبلوى عامة، والتعامل مع كلٍّ بما يناسبه، فيحقق المصلحة ويدرأ المفسدة.
فإذا خلت تلك الديار عن ولاية شرعية تُرَدُّ إليها المنازعاتُ، وتفصل في الخصومات، ولم يوجد من تتحقق أهليته الشرعية لذلك، فلا حرج أن يُعتبر الأمثل
(١) في فقه الأقليات المسلمة، د. يوسف القرضاوي، (ص ٤٦ - ٤٨).